من النّعم التي أنعم الله بها علينا في هذا العصر هذه السيارات والمركبات التي ملأت البلاد، وقادها الصغير والكبير، فهل شكرنا الله على هذه النّعمة؟ وهل أحسَنّا التصرّف فيها؟
إن الواقع أن كثيرا من الناس أساؤوا التصرّف بهذه النعمة، ولم يشكروا الله عليها. فأول ذلك أن هناك من الناس من حصل عليها بطريق الغِشّ والتزوير والرّبا، كما أن هناك من الناس من يستعمل السيارات لارتكاب المحرّمات كالفاحشة، ونقل المحرّمات كالخمر والمخدّرات، وظلم الناس، والفخر عليهم، والخيلاء، ونحو ذلك، كما استعملها بعض الناس للخروج إلى البراري للّهو وتضييع الأوقات، والتهاون بالجمعة والجماعات. فهل من فَعَلَ هذا قد شكر الله؟. كما أن هناك من سمح لقوم صغار السّن أو صِغار العقول بقيادة السيارات والمركبات، فيقودونها بتهوّر وركوب للأَخْطار، كما أن هناك من لا يبالي بحال سيارته هل فيها مكابح قوية أم لا؟ هل هي صالحة للسير أم لا؟ كما أن هناك من يسرع سرعة جنونية، وهي السرعة التي تزيد على ما ينبغي السير عليه، بدون مراعاة المكان هل هو مزدحم بالسّكان والمارَّةِ أم لا؟ وهل الطريق تسمح بتلك السرعة أم لا؟.
وهناك كثير من السائقين لا يحترمون قوانين المرور التي ما جُعلت إلا لراحتهم وأمنهم وراحة غيرهم، وللسلامة، فتجد من لا يتوقف عند الإشـارة الحمـراء خاصــة في الليـل، وهناك من يتجاوز في مكان لا يصلح، وهناك من يوقف سيارته في مكان يشكل خطرا على المارة وعلى المرْكَبات، وهناك من يسير في الخط المعاكس لاتجاهه، وهناك من يمرّ في الطريق الممنوع فيوقع من يقابله في الحيرة والحوادث، وهناك من لا يحترم الأولوية لأنه لا يعرفها، أو لأنه حصل على الرخصة بالتزوير أو الشراء، وهناك من يستعمل المنبّه لغير حاجة، وبقوة، وفي كل مكان وزمان خاصّة من يحملون العريس، وهناك من يحتقر الناس ويخيفهم ويظلمهم بمركبته مثل كثير من أصحاب الشاحنات، والله تعالى يقول "ولاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُم إلى التَّهلُكَة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين" البقرة 195، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" (رواه أحمد حديث صحيح).
لقد كثرت حوادث المرور كثرة كبيرة، وكَثُرَ المُصابون بها ما بين كسير وجريح ومعوّق وميت، مع خسائر مالية وماديّة، ونَدَمٍ وحزن وحسرة في القلوب.
إن الله تعالى قد عَظَّمَ شأن الروح وخاصّة روح المسلم، ونهى عن التخريب والتدمير والفوضى فقال تعالى: "ولاَ تُفسِدوا في الأرض بَعد إصلاحها" الأعراف: 56، وقال رسول الله :"لَزَوالُ الدنيا أهْوَنُ على الله من قتل مؤمن بغير حق" (رواه ابن ماجة حديث صحيح).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"أول ما يُقضى بين الناسِ يوم القيامة في الدّماء" (متفق عليه).
علينا أن نتعاون على الخير، ونتكاتف في معالجة هذه الحوادث حتى تقِلّ، وحتى تسلم الأرواح والممتلكات وذلك باتباع الخطوات التالية:
1- مراقبة الله تعالى، والخوف منه بالبعد عن الرّبا، والغشّ والتزوير، قال تعالى:" واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه" البقرة: 235 .
2- شكر الله تعالى على نعمة المركبات، وعدم استعمالها في الحرام والظلم.
3- عدم قيادة السيارات إلا بعد إتقانها والحصول على الرخصة بطرق صحيحة.
4- التأكد من صلاح المركبة، وإصلاح ما يلزم منها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من بات على ظَهر بيت ليس عليه حجاب، فقد برئت منه الذمة" (أحمد، حديث صحيح).
5- احترام أنظمة المرور مِن الإشارات الضوئية، والأولويات، وتحديد السرعة، وإمكانية التجاوز، وعدم حمل المركبة أكثر مما تطيق، واجتناب المرور في الطرق الممنوعة، وترك الانشغال عن القيادة بالكلام، أو بالأكل والشرب، أو الالتفات، وعدم إيقاف المركبات في أماكن ممنوعة.
6- عدم سماع الموسيقى خاصّة الصاخبة لأنها مثل الخمر، تدفع صاحبها إلى التهوّر، وإلى السرعة الجنونية، كما هو مشاهَد.
7- ترك القيادة في حالة النعاس، أو الإرهاق الشديد.
8- ترك استعمال السيارة إذا لم تكن هناك حاجة، للتقليل من الزّحمة.
9- استعمال الأخلاق الحسنة من الابتسامة وترك السبّ بالكلام، أو باليد، قال تعالى:
"وقولوا للناس حسناً" البقرة: 83 وقال تعالى: "وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإسنان عدوّاً مُّبيناً" الإسراء: 53 . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحُها، وخالِقِ الناس "أي عامِلِ الناسَ" بخُلُق حسن" (رواه الترمذي، وقال حديث حسن).
10- على المشاة احترام الطريق بتَرك تضييقها بالوقوف فيها، أو بالسلع والبضائع، وَعليهم بالسير في الأماكن المخصّصة لهم، وبعبور الطريق من المكان السالم، والعبور بسرعة وترك التماوت والتكاسل في أثناء العبور. قال تعالى:"يا أيها الذين ءامنوا خذوا حذركم" النساء: 71 .
11- على السائقين احترام المشاة، وإعطاء الفرصة لهم للعبور بسلام وأمن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اسمَحْ يُسمح لك" (رواه أحمد حديث صحيح).
12- ترك اللعب بالمركبات مثل التخويف بها والترويع ، أو القيام بحركات بهلوانية، خاصّة أصحاب الدراجات الهوائية، والدراجات النارية، قال تعالى: "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً" النساء: 29، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يَحِلُّ لمسلم أن يُرَوِّعَ مسلما" (رواه أحـمــد حديث صحيح). وقال صلى الله عليه وسلم :"من أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه حتى يَدَعَه، وإن كان أَخَاهُ لأبيه وأمه" (رواه مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم :"لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري أحدكم لعلّ الشيطان يَنْزِعُ في يده (أي يضرب في يده)، فيقعُ في حفرة من النار" (متفق عليه). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُفَّ أَذَاكَ عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك" (رواه البخاري).
13- اجتناب رَمْي الأشياء من المركبات -كما هو شائع- مثل عُلَب العصير، والمناديل، وغيرها فإن كَفَّ الأذى من الإيمان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"أَعْطُوا الطريق حَقَّهُ" قالوا: وما حقّه؟ قال:"غضّ البصر، وكَفُّ الأذى، ورَدُّ السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر" (متفق عليه).
14- بَثَّ الإرشادات والتعليمات ونشرها بين الناس عن طريق وسائل الإعلام كالإذاعة والرّائي (التلفزة) وغيرهما، لكن يكون البثّ في الأوقات التي يكون الناس أمَامَ تلك الوسائل.
15- تربية الأولاد على ترك الإضرار بالناس وبالممتلكات كقَذف الحجارة على المركبات والقطارات.
16- على المسؤولين إصلاح الطرقات والإضاءة، وجعل طرق خاصة للشاحنات والمركبات الثقيلة، فإنهم مسؤولون أمَامَ الله عن الحوادث التي سببها رداءة الإضاءة والطرق، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله سائل كلّ راع عما استرعاه أَحَفِظَ ذلك أم ضيّعه" (رواه النسائي، حديث حسن)، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"لو عثرت بغلة في العراق فعرجت لَـخِفْتُ أن يسألَني الله عنها: لِـمَ لَمْ أُصْلِحْ لها الطريق!!".
17- معاقبة من يستحق العقوبة، والعفو عمّن أخطأ، بشرط أن لا يكون شريرًا ولا مشهورًا بالأذى، فقد قال رسول الله: "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود" (رواه أحمد حديث صحيح).
التواب قد فتح الأبواب
التوبة توبتان!
سئل بعض العلماء هل يعرف العبد إذا تاب أن توبته قبلتْ أم ردّت، فقال لا حكم في ذلك ولكن لذلك علامات، أن يرى نفسه معصومة من المعصية ويرى الفرح عن قلبه غائباً والرب شاهدًا ويقارب أهل الخير ويباعد أهل الفسق، فيرى القليل من الدنيا كثير والكثير من عمل الآخرة قليلا، ويرى قلبه منشغلا بما فرض الله تعالى عليه، ويكون حافظاً للسانه دائم الفكرة ملازم الغم والندامة على ما فرط في ذنوبه، وإذا كانت صفة المؤمن أن يتوب من يومه وساعته ويندم على ما فعل من ذنوبه ويرضى بالقوت من الدنيا ولا يشتغل بالدنيا بل يشتغل بعمل الآخرة ويعبد الله تعالى بإخلاص، فإن هناك أسباب تقوّيه على هذا الطلب للتوبة هي:
- دوام علم القلب بقرب الأجل وأخذ الموت بالكظم بغتة، وخوف فوت المأمول من الله عز وجل وخوف العقاب لمن قدم على الله مصرا على الذنب.
- ويقويك أيضا على طلب التوبة ثلاث خصال، ذكر الذنوب السالفة وقلة المطعم والمشرب مع ترك الكثير من الشهوات، جمع الهم لما تطلب مع دوام ذكر الموت، لزوم العلم بذكر ما قدمت وهو الذي يطوي عليك ذكر ما ذكرت، يعني أن يلازم الخصلتين السابقتين فلا ينساهما حتى يسهل عليه ذكر الموت وذكر الذنوب وذكر التوبة، ويقويك على طلب التوبة المعاتبة والتخويف، فتذكر نفسك عظيم جزائها وكثرة ذنوبها وأدم ذلك عليها، فأوجع ضميرها، فسالت دمعتها واستغفرت عن سوء ما تقدم من صنعها، فحمّل عليها وذكرها ثم أخبرها أنه لا أمان عندها أن يكون ربها قد غضب عليها لما أسلفت من معاصيها.
فإذا كان في قلب العبد دوام الخوف ورجاء الموعود لأن الله عز وجل دعا خلقه بالرغبة والرهبة، فرهبهم لخوف الوعيد ورغبهم وبشوق رجاء الموعود، فهذا الذي يزعج العبد ويهيّجه على إصلاح نفسه، وعلامة الصادق في توبته دوام الأسى على العمر الذي انقضى منه في البطالة واللعب، والإشفاق على أنه لا يدري، قبل منه التوبة أم لا واستقلال (قلة) ما عمل لله مع دوام الانكسار والحزن والاجتهاد والانكماش والمسارعة مع الفزع من عارض الهوى والذنوب حتى تضيق عليه الأرض بما رحبت، ويعلم أنه لا ملجأ من الله إلا إليه، ودواع علم القلب لمنة الله عز وجل في التوبة من روح معرفة النعمة التي ابتدأه بها من التوبة.
فإذا بدأ من التوبة لهذه الدرجة يجب عليه ما لا غنى به عنه، الشكر لله على مواهبه له في التوبة إيجابا عليه من الله، هذه صفة تحقيق معنى التوبة توبتان، أن تتوب وتستقيم وتخشى العودة إلى الكفر كما تخشى أن تلقى في النار، وتوبة من الله عليك أن يدخلك برحمته في عباده الصالحين، وقبول صاحب الفضل والمنة توبتك وتوبتي وتوبتنا جميعا، فإن الصادق في توبته يشغله ولابد هل قبلت توبته أم ردّت، وهذا في حد ذاته يقويك للاستزادة من الخيرات وترك المنكرات، تحقيقا لمعاني التوبة وتخليّا عن أسباب المعصية، حتى يخفق قلبك لكل ما له علاقة بسالف عهدك، فلنسعى جميعا لتوبة صادقة مع الله يتبعها العمل الطيب الذي يصدقها، فنتوب إلى الله ويتوب علينا هو صاحب المنة والفضل إنه هو التواب الرحيم.