اسم الشاعر هو اسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان العنزي ولاءً ، كنيته أبو اسحاق
لقبه أبو العتاهية و قيل في سبب تلقيبه بأبي العتاهية أنّ الخليفة العباسي المهدي
قال له يوماً : أنت إنسان متحذلق مُعتَّه .
و أبو العتاهية له ديوان شعر مطبوع
و قد قام الشيخ عبد الرحمن الحميّن - حفظه الله تعالى - بتسجيل قصائد الزهد و الحكمة لأبي العتاهية
في أشرطة مسجلة تُباع في التسجيلات الإسلامية و هي جميلة جداً ، لما فيها من الحكم و التزهيد بالدنيا الفانية .
وهذه بعض من قصائد أبي العتاهية :
قال أبو العتاهية :
لا يأمنُ الدّهرَ إلاّ الخائنُ البَطِرُ = مَنْ ليسَ يعقلُ ما يأتي و مايذرُ
لا يجهلُ الرّشدَ مَنْ خافَ الإلهَ و مَنْ = أمسى و همّتُهُ في دينِهِ الفِكَرُ
فيما مضى فِكرَةٌ فيها لصاحبِها = إن كان ذا بصرٍ في الرأي ِ معتبَرُ
أينَ القرونُ و أينَ المُبتَنونَ لنا = هَذي المدائنَ فيها الماءُ و الشجرُ
و أينَ كسرى أنوشروان مالَ بهِ = صرْفُ الزّمان ِ و أفنى مُلكَهُ الغِيَرُ
بلْ أينَ أهلُ التُقى بعدَ النبيّ و مَنْ = جاءتْ بفضلِهِمُ الآياتُ و السُّوَرُ
أُعدُدْ أبا بكرٍ الصِدِّيقَ أَوّلَهمْ = ونادِ مِنْ بعدِهِ في الفضلِ يا عُمَرُ
و عُدَّ مِنْ بعدِ عُثمانٍ أبا حَسنٍ = فإنَّ فضلَهُما يُرْوى و يُدَّكَرُ
لَمْ يبقَ أهلُ التُقى فيها لبرِّهِمُ = و لا الجبابرةُ الأملاكُ ما عَمروا
فاعملْ لنفسِكَ و احذرْ أن تورِّطَها = في هُوَّةٍ ما لها وِِرْدٌ و لا صَدَرُ
ما يحذرُ اللهَ إلا الرّاشدونَ و قدْ = يُنجي الرَّشيدَ مِنَ المَحْذورةِ الحذرُ
و الصَّبرُ يُعقِبُ رضواناً و مغفِرةً = مع النّجاحِ و خَيْرُ الصُّحبَةِ الصًُّبُرُ
النّاسُ في هذه الدنيا على سَفَرٍ = و عن قريبٍ بهم ما ينقضي السّفَرُ
فمنهمُ قانِعٌ راضٍ بعيشتِهِ = و منهُمُ موسِرٌ و القلبُ مُفتَقِرُ
ما يُشبِعُ النَّفْسَ إن لمْ تُمْسِ قانِعَةً = شيءٌ و لو كَثُرَتْ في مُلكِها البِدَرُ
و النَّفْسُ تَشبَعُ أحياناً فيُرجِعُها = نحوَ المجاعَةِ حُبُّ العيْشِ و البَطَرُ
و المَرْءُ ما عاشَ في الدنيا لهُ أثَرٌ = فما يموتُ و في الدنيا لهُ أثَرُ
--------------------------------------------------------------------------------
و قال أيضاً :
أيْنَ القُرونُ الماضِيَةُ؟ = تَرَكُوا المَنازلَ خالِيَهْ
فَاسْتَبْدَلَتْ بِهمُ دِيا = رُهُمُ الرِّيَاحَ الهاوِيَهْ
وَتَشَتّتتْ عَنها الجُمو = عُ، وَفَارَقَتْها الغاشِيَهْ
فَإذا مَحَلٌّ لِلْوحُو = شِ، وللكِلابِ العاوِيَهْ
دَرَجُوا فَما أَبْقَتْ صُرُو = فُ الدَّهر مِنهم باقِيَهْ
لم يَبْقَ مِنْهُمْ بَعْدَهُمْ = إلاّ العِظامُ البالِيَهْ
والدَّهْرُ لا يَبْقى عَلَيْـ = ـهِ الشَّامِخَاتُ الرّاسيَهْ
يا عاشقَ الدّارِ التي = لَيْسَتْ لَهُ بمُؤَاتِيَهْ
أحْبَبْتُ دَاراً لم تَزَلْ = عن نَفْسها لَكَ ناهِيَهْ
أاُخَيَّ فَارْمِ محاسن الدُّ = نْيا بعين قَالِيَهْ
وَاعْصِ الهَوَى فما دَعا = كَ له، فَبِئْسَ الدّاعِيَهْ
أتَرَى شَبابَكَ عائداً = مِنْ بَعْدِ شَيْبِكَ ثانِيَهْ؟
يَا دَارُ ما لِعُقُولِنا = مسْرورةً بِكَ، راضِيَهْ؟
إنّا لَنَعْمُرُ فيكِ نا = حِيَةً وَنَتْرُكُ ناحِيَهْ
مَا نَرْعَوي لِلْحادِثا = تِ وَلاَ الخُطوبِ الجارِيَهْ
واللهُ لا تَخْفَى عَلَيـ = ـهِ من الخلائق خافيَهْ
عجباً لنا ولِجَهْلِنا= أنّ العقولَ لَواهِيَهْ
إنّ العُقولَ لَذاهِلا = تٌ غَافِلاتٌ لاهِيَهْ
أفَلا نَبِيعُ مَحَلَّةً = تَفْنَى، بِاُخرى باقِيهْ؟
نَصْبُو إلى دار الغرو = ر ونَحْنُ نَعْلَمُ ماهِيَهْ
مَنْ مُبلِغٌ عَنّي الإما = مَ نَصَائِحاً مُتَوَالِيَهْ؟
إنّي أرى الأسعارَ أســ = ــعارَ الرَّعيّةِ، غَالِيَهْ
وأرى المكاسِبَ نَزْرَةٌ = وأرَى الضرورةَ فَاشِيَهْ
وأرى اليتامَى والأرا= مِلَ في البيوتِ الخالِيَهْ
من بَيْنِ راج لم يَزَلْ = يَسْمُو إليكَ وَرَاجِيَهْ
يَرْجُونَ رِفْدَكَ كَيْ يَرَوْا = مِمّا لَقَوْهُ العَافيه
مَنْ يُرْتَجَى لِلنّاسِ غَيْــ = ـرُكَ للعُيونِ الباكِيَهْ؟
من للبطون الجائعا = ت وللجسوم العاريه؟
يا ابْنَ الخلائف لا فُقِدْ = تَ، ولا عَدِمت العافيهْ
إنّ الاُصولَ الطيبا = تِ لها فُروعٌ زاكِيَهْ
ألْقيتُ أخباراً إلَيــ = ـكَ، من الرعيّة شافِيَهْ
--------------------------------------------------------------------------------
و قال أيضاً :
الدَّهْرُ ذو دُولٍ والموتُ ذو عِلَلٍ=والمرءُ ذو أملٍ والناسُ أشباهُ
ولم تزل عِبَرٌ فِيهنَّ مُعْتَبرٌ=يجري بها قدرٌ والله أجراهُ
يبكي ويضحكُ ذو نفسٍ مُصَرَّفَةٍ=والله أضحكهُ والله أبكاهُ
والمُبتلى فهوَ المهجور جانبهُ=والناسُ حيثُ يكونُ المالُ والجاهُ
والخَلْقُ مِنْ خَلْقِ ربي قد يُدَبِّرُهُ=كُلٌّ فمستعبدٌ والله مولاهُ
طُوبى لعبدٍ لِمولاهُ إنابتهُ=قد فاز عبدٌ مُنيبُ القلبِ أواهُ
يا بائع الدين بالدنيا وباطِلها=ترضى بِدينك شيئاً ليس يَسْواهُ
حتى متى أنت في لهوٍ وفي لعبِ=والموتُ نحوك يهوي فاغراً فاهُ
ما كلُ ما يتمنى المرءُ يدرِكهُ=رُبَّ امرىءٍ حَتفُهُ فيما تمناهُ
إن المنى لَغُرورٌ ضِلةً وَهَوىً=لعل حتفَ امرىءٍ في الشيءِ يَهواهُ
تَغْتَرُّ لِلجهل بالدنيا وَزُخرفها=إن الشقيَّ لَمَنْ غرته دنياهُ
كأنَّ حَيًّا وقد طالتْ سلامتُهُ=قد صار في سكراتِ الموت تغشاهُ
والناسُ في رَقْدَةٍ عما يُرادُ بهم=ولِلحوادثِ تَحْريكٌ وإنباهُ
أنصفْ هُدِيتَ إذا ما كنتَ مُنتصفاً=لا ترضَ لِلناس شيئاً لستَ ترضاهُ
يارُبَّ يوْمٍ أتت بُشراهُ مُقْبِلةً=ثم استحالت بصوتِ النَّعيِ بُشْراهُ
لا تحقرنَّ من المعروف أصغرهُ=أحسنْ فعاقِبَةُ الإحسانِ حُسناهُ
وكُلُّ أمرٍ لهُ لابُدَّ عاقِبةٌ=وخيرُ أمركَ ما أحمدتَ عَقباهُ
تلهو وللموت مُمسانا ومُصبحنا=من لم يُصبِّحْهُ وَجْهُ الموتِ مَسَّاهُ
كم من فتىً قد دنت للموت رِحلتُهُ=وخيرُ زاد الفتى للموت تقواهُ
ما أقرب الموتَ في الدنيا وأفظَعَهُ=وما أمَرَّ جنى الدنيا وأحلاهُ
كم نافسَ المرءُ في شيءٍ وكايدَ فِيـ=ــهِ الناسَ ثُم مضى عنهُ وخلاهُ
بينا الشفيقُ على إلْفٍ يُسّرُّ بهِ=إذ صار أغمضهُ يوماً وسجاهُ
يبكي عليه قليلاً ثم يخرجهُ=فَيُمْكِنُ الأرضَ مِنهُ ثم ينساهُ
وكلُ ذِي أجلٍ يوماً سيبلغهُ=وكُلُّ ذِي عملٍ يوماً سيلقاهُ
--------------------------------------------------------------------------------
و قال أيضاً :
لعَمْرُكَ، ما الدّنيا بدارِ بَقَاءِ = كَفَاكَ بدارِ المَوْتِ دارَ فَنَاءِ
فلا تَعشَقِ الدّنْيا، أُخيَّ، فإنّما = يُرَى عاشِقُ الدّنْيا بجُهْدِ بَلاءِ
حَلاوَتُها مَمزُوجَةٌ بمَرارَةٍ = وراحَتُها مَمْزُوجَةٌ بعَنَاءِ
فَلا تَمشِ يَوْماً في ثِيابِ مَخيلَةٍ = فإنّكَ من طينٍ، خُلقتَ, وماءِ
لَقَلّ امرُؤٌ تَلقاهُ لله شاكِراً = وقَلّ امرُؤٌ يَرْضَى لَهُ بقَضَاءِ
وللّهِ نَعْمَاءٌ عَلَينا عَظيمَةٌ = وللْهِ إحسانٌ وفضْلُ عَطاءِ
وما الدّهرُ يوماً واحداً في اختلافِه = وما كُلّ أيّامِ الفتى بسَوَاءِ
وما هوَ إلاّ يَوْمُ بُؤسٍ وشدّةٍ = ويَوْمُ سُرُورٍ، مَرّةً، ورَخاءِ
وما كلّ ما لم أرْجُ أُحرَمُ نَفْعَهُ = وما كلّ ما أرْجوهُ أهلُ رَجاءِ
أيَا عَجَباً للدّهرِ لا بلْ لرَيْبِهِ = يُخَرمُ رَيبُ الدّهرِ كلَّ إخاءِ
وشَتّتَ رَيبُ الدّهرِ كلَّ جَماعَةٍ = وكَدّرَ رَيبُ الدّهرِ كُلَّ صَفَاءِ
إذا ما خَليلي حَلّ في بَرْزَخِ البِلى = فحَسبي بهِ نَأياً وبُعْدَ لِقَاءِ
أزُورُ قُبُورَ المُتْرَفِينَ فَلا أرَى = بَهاءً، وكانوا، قَبلُ،أهل هاءِ
وكلُّ زَمانٍ واصِلٌ بصَريمَةٍ = وكلُّ زَمانٍ مُلطَفٌ بجَفَاءِ
يَعِزُّ دِفاعُ المَوْتِ عن كلّ حيلَةٍ = ويَعْيَا بداءِ المَوْتِ كلُّ دَواء
ونَفسُ الفَتى مَسرورَةٌ بنَمَائِها= وللنّقْصِ تَنْمُو كلُّ ذاتِ نَماءِ
وكم من مُفدًّى ماتَ لم يَرَ أهْلَهُ = حَبَوْهُ، ولا جادُوا لهُ بفِداءِ
أمامَكَ، يا نَوْمانُ، دارُ سَعادَةٍ = يَدومُ البَقَا فيها، ودارُ شَقاءِ
خُلقتَ لإحدى الغايَتينِ، فلا تنمْ = وكنْ بَينَ خَوْفٍ منهُما ورَجاءِ
وفي النّاسِ شرٌّ لوْ بَدا ما تَعاشَرُوا = ولكِنْ كَساهُ اللّهُ ثوْبَ غِطاءِ
--------------------------------------------------------------------------------
و قال أيضاً :
طَلَبتُكِ يا دُنيا، فأعذَرْتُ في الطّلبْ = فما نِلْتُ إلاّ الهَمّ والغَمّ والنّصَبْ
فَلَمّا بدَا لي أنّني لَستُ واصِلاً = إلى لَذّةٍ، إلاّ بأضْعافِها تَعَبْ
وأسرَعْتُ في ديني، ولم أقضِ بُغيَتي = هرَبْتُ بديني منكِ، إن نَفَعَ الهرَبْ
تخَلّيْتُ مِمّا فيكِ جَهْدي، وطاقتي = كمَا يَتَخَلّى القوْمُ من عَرّةِ الجرَبْ
فَما تَمّ لي يَوْماً إلى اللّيلِ مَنظَرٌ = أُسَرّ بهِ، إلاّ أتى دونَهُ شَغَبْ
وإنّي لَمِمّنُ خَيّبَ اللهُ سَعْيَهُ= لَئنْ كنتُ أرْعَى لَقحَةً مُرّةَ الحلَبْ
أرَى لكَ أنْ لا تَستَطيبَ لخِلّةٍ= كأنّكَ فيها قَد أمِنْتَ منَ العَطَبْ
ألمْ تَرَها دارَ افتِراقٍ وفَجْعَةٍ= إذا رَغِبَ الإنسانُ فيها، فقد ذهَبْ
أُقَلّبُ طَرْفي مَرّةً بَعدَ مَرّةٍ= لأعْلَمَ ما في النّفسِ، والقلبُ يَنقلبْ
وسَرْبَلْتُ أخْلاقي قُنُوعاً وعِفّةً= فعِندي بأخلاقي كُنُوزٌ مِنَ الذّهَبْ
فلَمْ أرَ حَظّاً كالقُنوعِ لأهْلِهِ= وأن يُجملَ الإنسانُ ما عاش في الطّلبْ
ولمْ أرَ فَضْلاً تَمّ إلاّ بشيمَةٍ= ولم أرَ عَقْلاً صَحّ إلاّ على أدَبْ
ولمْ أرَ في الأعداءِ حينَ خَبَرْتُهُمْ = عدوّاً لعَقلِ المَرْء أعدى من الغضَبْ
ولم أرَ بَينَ العُسْرِ خِلطَةً؛ ولم أرَ = بَينَ الحَيّ والمَيتِ من سَبَبْ
--------------------------------------------------------------------------------
و قال أيضاً :
خَليليّ! إنّ الهَمّ قَدْ يَتَفَرّجُ، = ومِنْ كانَ يَبغي الحَقّ، فالحقُّ أبلجُ
وذو الصّدقِ لا يرْتابُ، والعدلُ قائمٌ = على طُرُقاتِ الحَقّ، والشّرُّ أعوَجُ
وأخلاقُ ذي التّقوَى وذي البِرّ في الدّجى = لهُنّ سِراجٌ، بَينَ عَينَيْهِ، مُسرَجُ
ونِيّاتُ أهلِ الصّدقِ بِيضٌ نَقِيّةٌ، = وألسُنُ أهلِ الصّدْقِ لا تَتَلَجْلَجُ
ولَيسَ لمَخلوقٍ على اللهِ حُجّةٌ، = وليسَ لهُ منْ حُجّة اللهِ مَخرَجُ
وقد دَرَجَتْ مِنّا قُرُونٌ كَثيرَةٌ، = ونَحنُ سنَمضِي بَعدَهنّ ونَدرُجُ
رُوَيْدَكَ، يا ذا القَصرِ في شَرَفاتِه = فإنّكَ عنَها مُستَخَفُّ، وتُزْعَجُ
وإنّكَ عَمّا اختَرْتُهُ لَمُبَعَّدٌ، = وإنّكَ مِمّا في يَدَيْكَ لمُخْرَجُ
ألا رُبّ ذي ضَيْمٍ غَدا في كَرامَةٍ، = ومُلْكٍ، وتيجانِ الخُلُودِ مُتَوَّجُ
لَعَمرُكَ ما الدّنْيا لَدَيّ نَفِيسَةٌ، = وإنْ زَخرَفَ الغادونَ فيها وزَبْرَاجُوا
وإنْ كانَتِ الدّنْيا إليّ حَبيبَةً، = فإنّي إلى حَظّي منَ الدّينِ أحوَجُ
--------------------------------------------------------------------------------
و قال أيضاً :
كلٌّ إلى الرّحمانِ مُنَقلَبُهْ= والخَلْقُ ما لا يَنْقَضِي عَجَبُهْ
سُبحانَ مَنْ جَلّ اسمُهُ وعَلا = وَدَنا، ووارَتْ عَينَهُ حُجُبُهْ
ولَرُبّ غادِيَةٍ ورائِحَةٍ= لم يُنْجِ منها هارِباً هَرَبُهْ
ولرُبّ ذي نَشَبٍ تَكَنَّفَهُ = حُبُّ الحَياةِ، وغَرّهُ نَشَبُهْ
قد صارَ مِمّا كانَ يَمْلِكُهُ = صِفراً، وصارَ لغَيرِهِ سَلَبُه
ْ يا صاحِبَ الدّنْيا المُحِبَّ لهَا! = أنتَ الذي لا يَنقَضِي تَعَبُهْ
أصلَحتَ داراً، هَمْلُها أسَفٌ = جَمُّ الفُروعِ، كَثيرَةٌ شُعَبُهْ
إنّ استِهانَتَهَا بِمَنْ صَرَعَتْ= فبِقدْرِ ما تَسمُو بهِ رُتَبُه
ْ وإنِ استَوَتْ للنّملِ أجْنِحَةٌ = حتى يَطيرَ، فقدَ دَنَا عَطَبُهْ
إنّي حَلَبْتُ الدّهرَ أشْطُرَهُ= فرَأيْتُهُ لم يَصْفُ لي حَلَبُهْ
فتَوَقّ دَهرَكَ ما استَطَعتَ، ولا = تَغرُرْكَ فِضّتُهُ، ولا ذَهَبُهْ
كَرَمُ الفتى التّقوَى، وقُوّتُهُ = مَحض اليقينِ، ودينُهُ حَسَبُهْ
حِلْمُ الفَتى مِمّا يُزَيّنُهُ= وتَمامُ حِلْيَةِ فَضلِهِ أدَبْه
ْ والأرْضُ طَيّبَةٌ، وكلُّ بَني = حَوّاءَ فيها واحِدٌ نَسَبهْ
إيتِ الأمورَ، وأنتَ تُبصِرُها= لا تأتِ ما لمْ تَدْرِ ما نَسَبُهْ
--------------------------------------------------------------------------------
و قال أيضاً :
المَرْءُ يَطلُبُ، والمَنيّةُ تَطلُبُهْ = ويَدُ الزّمانِ تُديرُهُ وتُقَلّبُهْ
ليسَ الحَريصُ بزائدٍ في رِزْقِهِ = اللهُ يَقْسِمهُ لَهُ ويُسَبّبُهُ
لا تَعْتِبَنّ على الزّمانِ، فإنّ مَن = يُرْضي الزّمانَ أقلُّ ممّن يُغضِبُهْ
أيّ امرىءٍ إلاّ عَلَيهِ منَ البِلَى = في كلّ ناحِيَةٍ رَقيبٌ يَرْقُبُهْ
المَوْتُ حَوْضٌ، لا محَالَةَ دونَه = مُرٌّ مَذاقَتُهُ، كَريهٌ مَشرَبُهْ
وترَى الفتى سَلِسَ الحديثِ بذكرِه = وَسْطَ النّديّ، كأنّهُ لا يَرْهَبُهْ
وأسَرُّ ما يَلقَى الفتى في نَفسِهِ = يَبتَزّهُ نابُ الزّمانِ ومِخلَبُهْ
ولَرُبّ مُلهِيَةٍ لصاحِبِ لَذّةٍ = ألفَيتُها تَبكي عليَهِ، وتَندُبُهْ
مَن كانَتِ الدّنْياءُ أكبرَ هَمّهِ = نَصَبَتْ له من حبّها ما يُتعِبُهْ
فاصْبرْ على الدّنيا، وزَجِّ هُمومَها = ما كلّ مَن فيها يرى ما يُعجِبُهْ
ما زالَتِ الأيّامُ تَلعَبُ بالفَتى = طَوْراً تُخَوّلهُ، وطَوْراً تَسلُبُهْ
مَن لم يَزَلْ مُتَعَجّباً مِن حادثٍ = تأتي بهِ الأيّامُ، طالَ تَعَجّبُهْ
--------------------------------------------------------------------------------
و قال أيضاً :
أشَدُّ الجِهادِ جِهادُ الهوَى= وما كَرْمَ المَرْءَ إلاّ التُّقَى
وأخلاقُ ذي الفضْلِ مَعرُوفَةٌ = ببَذلِ الجَميلِ، وكفّ الأذى
وكلُّ الفُكاهاتِ مَملُولَةٌ= وطولُ التّعاشُرِ فيهِ القِلَى
وكلُّ طَريفٍ لَهُ لَذّةٌ= وكلُّ تَليدٍ سَريعُ البِلَى
وَلا شيءَ إلاّ لَهُ آفَةٌ= وَلا شيءَ إلاّ لهُ مُنتَهَى
ولَيسَ الغِنى نَشَبٌ في يدٍ= ولكنْ غِنى النّفس كلُّ الغِنى
وإنّا لَفي صُنُعٍ ظاهِرٍ = يَدُلّ على صانعٍ لا يُرَى
--------------------------------------------------------------------------------
و قال أيضاً :
لا تأمنِ الموتَ في طَرْفٍ ولا نَفَسٍ=وإن تمنّعتَ بالحُجَّـاب والحَـرَس
فما تَـزال سِهـامُ المـوتِ نافـذة=ًفي جَنبِ مُـدّرِعٍ منهـا ومُتّـرِس
أراك لسـت بوقّـافٍ ولا حــذِرٍ=كالحاطبِ الخابطِ الأعواد في الغَلَس
ترجو النجاةَ ولم تسلُـك مسالِكهـا=إن السفينة لا تجري على اليَبَـس
أنّى لك الصّحْو من سُكْرٍ وأنتَ متى=تصِحّ من سكْرَةٍ يغشاكَ في نَكَـس
ما بالُ دِينِكَ ترضى أن تدنّسَـهُ ال=دنيا وثوبُكَ مغسول مـن الدّنَـس
لا تأمن الحَتْفَ فيمـا تستلِـذّ وإن=لانت ملامِسُه فـي كـفّ مُلتَمِـس
الحمـدُ لله شكـراً لا مثيـلَ لـه=كم من حبيبٍ من الأهلِين مُختَلَـس
--------------------------------------------------------------------------------
و قال أيضاً :
إنّ الحَوادِثَ، لا مَحالَةَ، آتِيَهْ = مِنْ بَينِ رائحَةٍ تَمُرّ، وغادِيَهْ
وَلَرُبّما اعْتُبِطَ السّليمُ فُجاءَةً= وَلَرُبّما رُزِقَ السّليمُ بعافِيَهْ
أللهُ يَعْلَمُ ما تُجِنّ قُلُوبُنَا= وَاللهُ لا تُخفَى عَلَيهِ خافِيَهْ
أينَ الأُلى كَنَزُوا الكُنوزَ وَأمّلُوا= أينَ القُرُونُ بَنو القُرونِ الخاليَهْ؟
دَرَجوا فأصْبحتِ المَنازِلُ منهُمُ = قَفْراً، وَأصْبحتِ المَدائنُ خاليَه
عَجَباً لمَنْ يَنسَى المَقَابِرِ وَالبِلى= سُبحانَ مَن يُحيي العظامَ الباليَهْ
--------------------------------------------------------------------------------
و قال أيضاً :
الحَمدُ للّهِ على مَا نَرَى! = كلُّ مَنِ احتيجَ إلَيهِ زَهَا
ياأيّها المُبْتَكِرُ الرّائحُ المُشْتَغِلُ = القلبِ، الطّويلُ العَنَا
نِعمَ الفِراشُ الأرْضُ، فاقنَعْ به= وكُنْ عَنِ الشرّ قَصِيرَ الخُطَى
ما أكرَمَ الصّبرَ، وما أحسنَ = الصّدْقَ، وما أزْيَنَهُ بالفتى
الخُرْقُ شُؤْمٌ ، وَالتُّقَى جُنّةٌ = والرّفْقُ يُمْنٌ ، والقُنوعُ الغِنَى
نافِسْ، إذا نافَستَ، في حكمةٍ= آخِ، إذا آخَيتَ، أهلَ التُّقَى
ما خَيرُ مَنْ لا يُرْتجَى نَفْعُهُ = يَوْماً، ولا يُؤمَنُ منهُ الأذَى
واللّهُ للنّاسِ بأعْمالِهِمْ= وكلُّ نَاوٍ، فلَهُ ما نَوَى
وطالِبُ الدّنْيا الكَدودُ بهَا = في فاقَةٍ، لَيسَ لها مُنْتَهَى
--------------------------------------------------------------------------------
و قال أيضاً :
بكَتْ عَيني على ذَنْبي = وما لاقَيْتُ مِنْ كَرْبي
فَيا ذُلّي، ويا خَجَلي = إذا ما قالَ لي رَبّي
أمَا استَحيَيتَ تَعصِيني = ولا تَخشَى مِنَ العَتْبِ
وتُخفي الذّنبَ من خَلقي = وتأبَى في الهَوَى قُرْبي
فَتُبْ مِمّا جَنيْتَ عسَى = تَعُودُ إلى رِضَى الرّبّ
--------------------------------------------------------------------------------
و قال أيضاً :
إلهي! لا تعذبني، فإني = مقرّ بالذي قد كان مني!
فما لي حيلة، إلا رجائي = لعفوك، إن عفوت وحسن ظني
وكم من زلة لي في الخطايا = وأنت علي ذو فضل ومن
إذا فكرت في ندمي عليها = عضضت أناملي وقرعت سني
أجنّ بزهرة الدنيا جنونا = وأقطع طول عمري بالتمني
ولو أني صدقت الزهد عنها = قلبت لأهلها ظهر المجن
يظن الناس بي خيراً وإني = لشر الخلق إن لم تعف عني
--------------------------------------------------------------------------------
و قال أيضاً :
يــا عجبــا للنــاس لـو فكـروا =وحاســـبوا أنفســـهم أبصــروا
وعــبروا الدنيــا إلــى غيرهــا =فإنمـــا الدنيـــا لهــم معــبر
والموعــد المــوت ومــا بعــده =الحشــر فــذاك الموعــد الأكـبر
لا فخــر إلا فخــر أهــل التقـى =غـــدا إذا ضمهـــم المحشـــر
ليعلمـــن النـــاس أن التقـــى = والــبر كانــا خــير مـا يدخـر
عجــبت للإنســان فــي فخــره =وهــو غــدا فــي قــبره يقـبر
مــا بــال مــن أولــه نطفــة =وجيفــــة آخــــره يفخـــر
أصبـــح لا يملــك تقــديم مــا =يرجــو ولا تــأخير مــا يحــذر
وأصبـــح الأمــر إلــى غــيره =فــي كـل مـا يقضـي ومـا يقـدر
--------------------------------------------------------------------------------
وقال أيضاً :
لِدُوا للموت وابْنُوا للخَراب = ،فكلكُمُ يصير إلى تَباب
لِمَنْ نبني؟ ونحن إلى تراب = نصير، كما خُلقْنا من تراب
ألا يا موتُ، لم أرَ منك بُدّاً = اتَيْتَ وما تَحِيفَ وما تُحابي
كأنّك قد هجمتَ على مَشيبي = كما هجم المشيبُ على الشباب
--------------------------------------------------------------------------------
و قال أيضاً :
إلى اللّهِ، فيما نالَنَا، نرْفَعُ الشكوى = فَفي يَدِهِ كَشفُ المضرّةِ والبَلوَى
خرَجنا من الدّنيا، ونحنُ منَ اهْلِها = فلا نحنُ في الأمواتِ فيها وَلا الأحْيَا
--------------------------------------------------------------------------------
وقال أيضاً :
نَسيبُكَ مَنْ ناجاكَ بالوُدّ قَلبُهُ = ولَيسَ لمَنْ تَحتَ التّرابِ نَسيبُ
فأحْسِنْ جَزاءً ما اجْتَهَدتَ فإنّما = بقَرْضِكَ تُجزَى والقُرُوضُ ضُرُوبُ
--------------------------------------------------------------------------------
و قال أيضاً :
وإنـّا لنُرمى كل يومٍ بعبرةٍ= نراها فما نزداد إلا تماديا
نسرّ بدارٍ أورثتنا تضاغنا = عليها ودارٍ أورثتنا تعاديا
--------------------------------------------------------------------------------
و قال أيضاً :
وللقلبِ على القلبِ = دليلٌ حين يلقاهُ
وللناسِ من الناسِ = مقاييسٌ وأشباهُ
يقاسُ المرءُ بالمرءِ = إِذا ما هوَ ما شاهُ
وفي العينِ غنىً للعينِ= أن تنطقََ أفواهُ
--------------------------------------------------------------------------------
و قال أيضاً :
أرى الدنيا لمن هي في يديه = عذاباُ كلما كثرت لديـه
تُهين المكرمين لها بصُفر = و تكرمُ كل من هانت عليـه
إذا استغنيت عن شيء فدعه = و خذ ما أنت محتاج إليـه
--------------------------------------------------------------------------------
و قال أيضاً :
إذا المـرء لـم يعتـق مـن المال نفسه= تملكــه المــال الـذي هـو مالكـه
ألا إنمــا مــالي الـذي أنـا منفـق =وليس لـي المـال الـذي أنـا تاركـه
إذا كـنت ذا مـال فبـادر بـه الـذي= يحـــق وإلا اســتهلكته مهالكــه
--------------------------------------------------------------------------------
و قال أيضاً :
ألا إننـــــا كلنــــا بــــائد =وأي بنــــــي آدم خــــــالد
وبـــدؤهم كـــان مــن ربهــم =وكـــل إلـــى ربـــه عــائد
فيــا عجبــا كـيف يعصـي الإلـه =أم كـــيف يجحـــده الجـــاحد
وفــي كــل شــيء لــه آيــة = تـــدل عـــلى أنـــه واحــد
--------------------------------------------------------------------------------
و قال أيضاً :
يا مَعشرَ الأمواتِ، يا ضِيفانَ = بِ الأرضِ كَيفَ وَجَدتُمُ طَعمَ الثَّرَى
أهلَ القُبورِ مَحا التُّرابُ وُجوهَكُمْ = أهلَ القُبورِ تَغَيَّرَتْ تلكَ الحِلَى
أاُخَيَّ لم يَقِكَ المَنيّةَ إذْ أتَت = ما كانَ أطعَمَكَ الطّبيبُ وما سقَى
أاُخَيَّ، كيفَ وَجدتَ مَسّ خُشونةِ المــ = ــأوَى وكيفَ وجَدتَ ضِيقَ المُتّكَا
--------------------------------------------------------------------------------
و قال أيضاً :
إذا فكّرتُ في نَدَمي علَيها، = عَضَضتُ أناملي، وقَرَعتُ سِنّي!
اُجَنُّ بزَهرَةِ الدّنيا جُنوناً، = وأقطَعُ طولَ عُمري بالتَّمَنِّي
ولو أنّي صَدَقتُ الزُّهْدَ عَنها، = قَلَبتُ لأهلِها ظَهرَ المِجَن
يَظنّ الناسُ بي خَيراً، وإنّي = لَشَرُّ الخَلقِ، إنْ لم تَعفُ عَنِّي
--------------------------------------------------------------------------------
و قال أيضاً :
بَكَيْتُ على الشباب بدَمعِ عَيْني = فلَمْ يُغنِ البُكاءُ ولا النحيبُ
ألا لَيْتَ الشبابُ يَعُودُ يَوماً = فاُخْبِرَهُ بما فَعَلَ المَشيبُ
عريت من الشباب وكان غضّاً = كما يَعرى من الورق القضيب
--------------------------------------------------------------------------------
و قال أيضاً :
مسكينٌ مَنْ غَرّتْ الدُّنيا بآمالِه = ِفكمْ تلاعَبَتْ الدُّنْيا بأمثالِهِ
استَغْنِ بِاللهِ عَمّنْ كنتَ تَسْأَلُهُ = فاللهُ أفضلُ مسؤول لسؤالهِ
--------------------------------------------------------------------------------
و قال أيضاً :
ستنقطع الدنيا بنقصان ناقصٍٍٍٍٍِِِِ = من الخلق فيها أو زيادة زائد
ومن يغتنم يوماً يجده غنيمةًًً= ومن فاته يوماً فليس بعائد
وما الموت إلا مورد دون مصدر = وما الناس إلا وارد بعد وارد
--------------------------------------------------------------------------------
و قال أيضاً :
مــا للمقــابــر لا تجيــب =إذا دعــاهــن الكئيـب
حفـر مسقفــة عليهــن = الجنـــادل والكثـــيـب
فيهن ولــدان وأطفــال = وشــبــان وشــيــب
كــم مــن حبيب لــم تكــن = نفسـى بفــرقتــه تطــيـب
غــادرتــه فــى بعضــهن = مجــدلا وهــو الحبيـب
وسلــوت عنــه وإنــمــا= عهــدى برؤيتــه قــريــب