فقد قامت فرنسا في يوم 13 فبراير من سنة 1960 م بتفجير قنبلة نووية بالقرب من رقان
يقال أنها تعا دل في قوتها ثلاث مرات قوة القنبلة النووية التي رمى بها الأمريكان
على مدينة هيروشيما . و قد أتبعت العملية بعمليات أخرى في الصحراء الجزائرية سواء
كانت تجارب داخل باطن الأرض أو خارجها معرضة بذلك حياة
و صحة كل مخلوق في الصحراء إلى خطر أكيد . صحيح أن التجارب المذكورة لا تتطابق في
تاريخها مع تاريخ القاء القنبلتين على هيروشيما و ناقازاكي الا أن التفات العالم
اليها كل سنة في شهر أوت يحيي في نفوس الجزائريين جرح ما عانوه من استغلال فرنسا
للأرض الجزائرية لاجراء تجاربها النووية .
أذكر انه عندما كنت متواجدا بالصحراء الجزائرية في خلال أدائي لمهامي الوظيفية سنة
1998 م التقيت بوالد أحد الأصدقاء الذين اعرفهم و الذي يقطن بإقليم توات الذي يضم
إداريا مدينة " رقان " و مـا جـاورهــا و بالضبط في قرية صغيرة بالقرب
من " زاوية كنتة " تدعى " تيوريرين " . و قد روى لي هذا الشخص
(الذي وافته المنية بعد لقائنا بسنوات قليلة) بعض ما عاين و بعض ما يعرف حول موضوع
التجارب النووية الفرنسية بالصحراء الجزائرية و هو الذي كان - لسوء حظه - معرضا
بصفة مباشرة لخطر تلك التجارب .
لقد أخبرني أن السلطات العسكرية الفرنسية أعلمتهم آنذاك أن حدثا كبيرا سيقع في
تاريخ معين حددته لهـم و أنه يتوجب عليهم فور سماعهم لدوي انفجار قوي أن يجثموا
على الأرض و أن يضعوا رؤوسهم في التراب و أن لا يعودوا إلى حالهم الذي كانوا عليه
إلا بعد عودة الأمور إلى طبيعتها الأولى و زوال صوت الانفجار
و ما يتبعه من آثار . كما أن السلطات العسكرية أعطت كل شخص يقطن هناك قلادة بسيطة
مع كل واحدة منها قطعة معدنية صغيرة بها رقم تسلسلي يقابل هوية الشخص الذي يحملها
وفق ما كان قد تم تقييده- قبل توزيع القلادات - في سجلات خاصة تحضيرا لعملية
الانفجار . و الهدف من وراء ذلك واضح وضوح الشمس في وضح النهار كما يقال ، و هو أن
يتم التعرف إلى الجثث في حال تشوهها من جراء الانفجار و لمعاينة الخبراء نتائج
الانفجار على أجساد أشخاص تم اختيارهم ليكونوا موضوع تجارب من طرف بلد تدعي سلطاته
زورا و الى غاية اليوم أنها كانت ترمي الى جلب الحضارة للبلاد التي احتلتها شرق
الكرة الأرضية و غربها . و قد قبل الناس آنذاك الموضوع كما طرح عليهم و أحاطوا
رقابهم بالقلائد الفرنسية في سذاجة و بساطة بدو الصحراء الذين تعمدت فرنسا
محاصرتهم بالجهل و الحرمان و لم يكن يخطر ببالهم - بطبيعة الحال - انهم يواجهون
خطرا حقيقيا ، و لم يكونوا يعرفون حتى معنى عبارة قنبلة نووية .
كما يروي لي والد صديقي أن الأرض التي وقع بها الانفجار أجدبت و لم تنبت و لا عشبة
واحدة منذ ذلك الوقت و أن الحيوانات ماتت جميعها . كما أن الناس هناك – ممن بقي
حيا - لاحظوا بعد العملية غرائب في ولاداتهم الجديدة و أمراضا حصدت أرواحا عديدة
على مرأى منهم دون ان يعرفوا لها تفسيرا واضحا ، و لم يعرف اولائك المساكين
البسطاء أن الأمر برمته نتيجة مباشرة للانفجار الذي اختارت فرنسا أن تكون أرضهم
مأواه و أن يكونوا هم كباش فدائه .
و لم يسلم من تلك الفاجعة – حسب نفس الراوي – الجنود الفرنسيون ذاتهم (أو البعض
منهم على أقل تقدير) . ذلك انه عندما اقتربت ساعة الحسم و دنا موعد الانفجار عرفت
الوحدات العسكرية المتواجدة بالمنطقة المعنية غيابا مفاجئا لكل القيادات و
الإطارات العسكرية من المنطقة و لم يبق هناك سوى الجنود البسطاء الذين لم يحاطوا
علما بما يتم التحضير له و لم يكونوا يدركون كنه ما يدور حولهم من حركة .
و من عجيب الصدف أن تقوم فرنسا في شهر فبراير من سنة 1960 م بتفجير قنبلة نووية
بالصحراء الجزائرية جالبة بذلك الدمار و الهلاك للبشر و الحيوان و النبات و الأرض
و كذا لأجيال أتت بعد الانفجار ، ثم تأتي في نفس الشهر من سنة 2005 م لتسن قانونا
تمجد فيه ما قامت به في مستعمراتها السابقة . و لا ندري هنا كيف لفرنسا أن تمجد ما
قامت به من تجارب نووية في الصحراء الجزائرية و كيف لها أن تجد ما من شأنه أن
يقنعنا بإيجابية تلك التجارب . كما لا ندري كيف سيكون رد السلطات الفرنسية الحالية
على الدعاوى القضائية المرفوعة على مستوى المحاكم الفرنسية من طرف ضحايا تلك
التجارب من الجزائريين و الفرنسيين على حد سواء و ماذا في جعبتها لتخرجه لأناس
فقدوا أحباءهم (أبناء و آباء و غيرهم) من جراء تلك التجارب