التعامل مع الكذّاب في الاسلام
كيف يتم التعامل مع الشخص الكذّاب ؟
أولا هناك مواطن يكون الكذب فيها مباحا ولايأثم صاحبه بأتيانه مثل :
1- التيقن من وقوع ضرر بالغ بدونه
وهذا ماذهب اليه اياس بن معاوية القاضي المشهور الثقة ت122 بقوله : " ان
الكذب عندي من يكذب فيما لايضره ولا ينفعه فأما رجل كذب كذبة ليرد عن نفسه
بها بلية أو يجر الي نفسه بها معروفا فليس عندي بكذب " ويذكر أن ميمون بن
مهران قال وعنده رجل من قري اهل الشام : ان الكذب في بعض المواطن خير من
الصدق فقال الشامي : لا الصدق في كل موطن خير قال : أرأيت لو رأيت رجلا
يسعي وآخر يتبعه بسيفه فدخل دارا فانتهي اليك فقال : رأيت الرجل ؟ ماكنت
قائلا ؟ قال كنت أقول : لا قال : فهو ذلك
وقد يفهم من كلام اياس بن معاوية أنه يتساهل في أمر الكذب ووقوعه ولكن هذا
ليس صحيحا ويؤكد ذلك مارواه عنه الأصمعي بقوله : قال اياس : " امتحنت خصال
الرجال فوجدت أشرفها : صدق اللسان ومن عدم فضيلة الصدق فقد فجع بأكرم
أخلاقه " والامام النراقي يقول في هذا الصدد : " لاريب في أن مايجب ويضطر
اليه هو الكذب لأمور في فواتها محذور واضرار أما اذا كان لزيادة المال
والجاه وغير ذلك مما يستغني عنه فانه محرم قطعا "
2-الاصلاح بين الناس
يعد الكذب مباحا في حالة الاصلاح بين الناس أوفي الحرب أو في اعلان مشاعر
الحب بين الرجل والمرأة الغير حقيقية وهذا مايؤكده حديث الرسول (ص) حين خطب
في الناس فقال : " أيها الناس مايحملكم أن تتابعوا بالكذب كما تتابع
الفراش في النار كل الكذب يكتب علي ابن آدم الا ثلاث خصال : رجل كذب امرأته
ليرضيها ورجل كذب امرأين (أي رجلين متخاصمين ) ليصلح بينهما ورجل كذب في
خديعة الحرب "
3- المعاريض مندوحة عن الكذب
روي عن النبي (ص) أنه قال : " ان في المعاريض لمندوحة عن الكذب " وقال بعض
أهل التأويل في قوله تعالي (لا تؤاخذني بما نسيت ...) الكهف : 73 انه لم
ينس ولكنه معاريض الكلام " وقال بن سيرين " الكلام أوسع من أن يصرح فيه
بالكذب " والخلاصة في هذا الشأن ماذكره صاحب جامع السعادات قائلا : " ليس
المراد أنه يجوز التعريض بدون حاجة واضطرار وانما المراد أن التعريض يجوز
اذا اضطر الانسان الي الكذب ومست الحاجة اليه واقتضته المصلحة كتأديب
النساء والحذر من الظلمة والأشرار فهو جائز : ومن أمثلة جوازه أنه سئل
الصادق (ص) عن قول الله تعالي في قصة ابراهيم عليه السلام ( قال بل فعله
كبيرهم هذا فسئلوهم ان كانوا ينطقون ) أي ان نطقوا فكبيرهم فعل وان لم
ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئا فما نطقوا وماكذب ابراهيم عليه السلام وسئل عن
قول ابراهيم (فنظر نظرة في النجوم فقال اني سقيم ) الصافات فقال ماكان
ابراهيم سقيما وماكذب انما عني سقيما في دينه "
التعامل مع الشخص الكذاب
1- اجتناب مصاحبته أو الغضب منه : فالغزالي يحث علي عدم توطيد العلاقة معه
قائلا : " ولاتسكن اليهم في حال اكرامهم اياك وثنائهم عليك في وجهك ...ولا
تطمع أن يكون لك في السر والعلن واحد ولا تتعجب ان ثلبوك في غيبتك ولا تغضب
منهم "(مجموعة الرسائل للغزالي ) وعن اجتناب صحبة الكاذب أيضا يقول الشاعر
:
ودع الكذوب فلا يكنن لك صاحبا ان الكذوب يشين حرا يصحب
وفي هذا الصدد وتحت عنوان " لا تركن الي المرجفين " يقول عائض القرني :
الوعود الكاذبة والار هاصات الخاطئة المغلوبة التي يخاف منها أكثر الناس
انما هي أوهام يستغلها المخادعون الكاذبون فتقع فريسة لكذبهم وبما يبثونه
اليك من آمال عريضة ووعود كالسراب فينبغي أن لا نركن لخدعهم نتيجة مخاوفنا
قال تعالي ( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه
وفضلا والله واسع عليم ) البقرة 268 والقلق والأرق وقرحة المعدة ثمرات
اليأس والشعور بالاحباط والاخفاق التي قد تنجم عن الدخول في معاملات مع مثل
هذا الشخص الكاذب ( لاتحزن )
2- لا تعلم الكذّاب أنك تكذبه
ففي كتاب زهر الآداب للقيرواني اجتنب مصاحبة الكذاب فان اضطررت اليه فلا
تصدقه ولا تعلمه انك تكذبه فينتقل عن وده ولا ينتقل عن طبعه "لكن مالعمل مع
من آذانا بكذبه ؟ هنا تكون طريقة التسوية أفضل من المكاشفة خاصة اذا كتشفت
أنه تم خيانتك أو التغرير بك من قبله في معاملاتكما المادية وهذا ماذهب
ايه المتخصصون في العلاقات الانسانية
3- عدم الاستعانة بالكذاب في اي عمل
وفي هذا يقول الشاعر :
لا تعصين قول ذوي التجارب لا تستعن في عمل بكاذب
4-عدم تصديقه والا باء الانسان بالخسارة
وتلك حكمة ساقها بن المقفع علي ألسنة الحيوانات وبالتالي في التعامل مع
الكذّاب يجب أخذ الحيطة والحذر وعدم التسليم بأي شئ يقوله من أول وهلة
ولنتحقق ونتأكد من الأمور