يحكى أن رجلا عزم على التوجه إلى غابة كبيرة بقصد الصيد ، فأكمل استعداده وجهز عدته التي اشتملت على أنواع مختلفة من الأسلحة الثقيلة والحبال الغليظة ، وكان موفقا ، إذ سلك جادة قادته إلى بحيرة غناء تزينها أصوات الطيور المغردة ، ومشاهد الغزلان والظباء التي ترد لشرب الماء ، ويشوب هذا الجو الشاعري شيء من نقنقة الضفادع المزعجة وقرصات الحشرات المؤذية .
تنفس صاحبنا الصعداء ، إذ وجد بغيته بأسرع مما يتوقع ، فأخرج على الفور عدسته المكبرة لرؤية فرائسه ؛ لربما أن صيادنا الهمام كان ضعيف البصر إلى حد أنه لا يبصر غزلان الغابة بوضوح ؛ فلما حدد صيده ، قام بنَشْر شباكه ، وعَقْد حباله ، وتوجيه نيران أسلحته وبدأت العملية التي استغرقت دقائق معدودة ، كانت حصيلتها بعضا من اليعاسيب والضفادع وأحس صاحبنا بنشوة الانتصار وقفل راجعا إلى منزله ليبشر قومه بهذا الصيد الوفير وباتت القرية وقد انتشر الخبر فيها انتشار النار في الهشيم وأصبحت الغابة تعرف بغابة اليعاسيب .
إن هذه القصة تحكي شيئا من واقعنا في التعامل مع أخطاء الغير . إنه لمن اليسير على المرء أن يتصيد الأخطاء على أفراد عاملين مجتهدين في منشأة ما كسهولة حصول الصياد على ما يعتقده صيدا ثمينا ، ومن المؤسف أن البعض يطير فرحا بمثل هذه الأخطاء ولا يوجه عدسته ومنظاره إلا إلى الهنات والعيوب ويضني نفسه ومن معه بالبحث عنها ، وليت الأمر اقتصر على ذلك بل إنه يقوم بحقن هذه الأخطاء بهرمونات المصالح الشخصية حتى إن اليعاسيب والضفادع لتغدو أضعاف حجم الدجاج اللاحم في أسواقنا بحيث تصبح من الضخامة أن تغطي على غيرها .
لا أحد يدعي الكمال ولا يدعيه إلا من هو بعيد عنه ولكن التعامل مع الأخطاء لا يتم بأساليب انفعالية وتضخيمية ولا بالجرح والتشويه والتعميم الذي ينال حتى المجتهدين المخلصين .
إن " صياد اليعاسيب " مفهوم إداري معروف لوصف متصيدي الأخطاء والمعائب بغرض التشويه أو " التطفيش " أو كلاهما معا وصاحب هذا التوجه مجانب للعدل إذ أنه يقتصر – عمدا – على إظهار المساوئ وإخفاء المحاسن وهو كذلك أسلوب تربوي خاطئ في التعامل مع الأبناء إذ ينتج عنه تعميق الإحساس بالفشل لديهم .
وعلى العقلاء وأصحاب القرار والإعلام أن يتعاملوا مع هؤلاء وأساليبهم بحذر شديد ، إذ يمكن أن يكون الخلل الناتج من هذا الأسلوب أكبر بكثير من الخطأ المراد إصلاحه ، هذا إذا كان الإصلاح هو فعلا ما يريده "صياد اليعاسيب".