يحكى أن حكيماً كان متضلعاً في الحكمة والمعرفة الروحية، وكان يرسل تلاميذه نحو البلدان والقرى الصغيرة كي يعلموا الناس تعاليم الحكمة والمعرفة.
لكنَّ هذا الحكيم كان يحمل هماً كبيراً تجاه قلعة كبيرة في جبلٍ تقع خلف قريته الصغيرة؛ وكان أهلها برابرة ومن المتوحشين، ولذلك لم يجد من تلاميذه من يجرؤ على دعوتهم أو تبليغ تعاليمه لهم!
لم يبق هناك من أمل إلا في أقرب تلاميذه له؛ وأحبهم إليه، إنه تلميذه المخلص الذي تربى في حجره، وتذوق الحكمة والمعرفة على يديه منذ نعومة أظفاره.
وقبل أن يبعثه إلى هناك أراد أن يختبره ويمحصه ويجربه، حتى يتأكد تماماً من أنه صالح للمهمة التي أنتدبها له أستاذة.
قال المعلم : يا تلميذي الحبيب.. إنك مرسل إلى شعبٍ غضوبٍ قاسٍ متوحشٍ، نتوقع منهم أن يفعلوا بك كل شيء، فماذا أنت صانع؟
التلميذ: أكون كما تريد يا معلمي.
المعلم: افترض أنهم بادروك بالسب واللعن فماذا يكون رأيك فيهم؟
التلميذ: أرى أنهم أناس طيبون لأنهم شتموني، ولم يضربوني بيدٍ ولا بحجر!
المعلم: فإن ضربوك باليد أو الحجر؟
التلميذ: أرى أنهم أناس طيبون لأنهم ضربوني باليد أو الحجر، ولم يضربوني بعصاً ولا بسيف!
المعلم: فإن ضربوك بالعصا أو بالسيف؟
التلميذ: أرى أنهم أناس طيبون لأنهم ضربوني بالعصا أو السيف، ولم يقضوا على حياتي!
المعلم: فإن قضوا على حياتك؟
التلميذ: أرى أنهم أناس طيبون لأنهم أسدوا إليّ يداً بيضاء، لأنهم منحوني شرف الشهادة في سبيل إيماني الذي أتشرف أن أموت من أجله.
المعلم: هذا حسن يا بني.. إنك لخير من يستطيع أن يحمل تعاليمي إلى تلك الشعوب البربرية، اذهب يا ولدي فأنت المعلم فعلم غيرك، وأنت الحكيم فعلم غيرك الحكمة، وليكن لك من الزاد ما يعينك على وحدتك، وإن خير الزاد إيمانك يا بني، واصبر على البلاء فإنه ما ازداد عليك إلا لأنه قد اقتربت نهايته، كما يزداد الليل ظلمة إذا قرب الفجر.. سر يا بني والله معك.