ومن أجمل ما ذكر عن فصاحتهم ما حكاه الاصمعي قال: ضلت لي إبل فخرجت في طلبها وكان البرد شديدا فالتجأت الى حي من أحياء العرب وإذا بجماعة يصلون وبقربهم شيخ ملتف بكساء وهو يرتعد من البرد وينشد:
أيا رب إن البرد أصبح كالحا *** وأنت بحالي يا إلهي أعلم
فإن كنت يوما في جهنم مدخلي *** ففي مثل هذا اليوم طابت جهنم
قال الأصمعي: فتعجبت من فصاحته وقلت له: يا شيخ أما تستحي تقطع الصلاة وأنت شيخ كبير؟؟
فأنشأ يقول:
أيطمع ربي أن أصلي عاريا *** ويكسو غيري كسوة البرد والحر؟!
فوالله لا صليت ما عشت عاريا *** عشاء ولا وقت المغيب ولا الوتر
ولا الصبح إلا يوم شمس دفيئة *** وإن غيمت فالويل للظهر والعصر
وإن يكسني ربي قميصا وجبة *** أصلي له مهما أعيش من العمر
قال : فأعجبني شعره وفصاحته فنزعت قميصا وجبة كانا علي ودفعتهما اليه وقلت له : البسهما وقم فصل , فاستقبل القبلة وصلى جالسا وجعل يقول:
إليك اعتذاري من صلاتي جالسا *** على غير طهر موميا نحو قبلتي
فمالي ببرد الماء يا رب طاقة *** ورجلاي لا تقوى على ثني ركبتي
ولكنني أستغفر الله شاتيا *** وأقضيكها يارب في وجه صيفتي
وإن أنا لم أفعل فأنت محكم *** بما شئت من صفعي ومن نتف لحيتي
قال : فعجبت من فصاحته وضحكت عليه وانصرفت