عند مرحلة ما يبدأ الرجل بالمبالغة في الاهتمام بشكله، يستعرض عضلاته
وقامته، يستعرض خزانة ملابسه، يعمد الى استبدال الالوان القاتمة للقمصون
وربطات العنق بأخرى زاهية. يتسمر امام المرآة متفحصاً خصلات شعره،
ومتحايلاً على اللون الابيض فيها بصبغة متحفظة او بمستحضر يمنحها لمعاناً.
يحاول اخفاء صلعته بما تيسر من شعر على الجانبين، يتحول الرجل الهادىء
والرزين إلى آخر متوتر، وتحتاج زوجته الى ارشادات علم النفس لتعرف كيف
تداريه. فنسبة حساسيته تجاه اصغر انتقاد يزيد بشكل مبالغ فيه، وكأن
انقلاباً اجتاح حياته، تستغرب الزوجة انغماسه المجنون في العمل والسعي الى
النجاح واللهاث خلف المناصب الاجتماعية، او انغلاقه ورفضه الآخرين.
وبالتأكيد تعجز عن تشخيص حالته.
لكن العلم الحديث شخص هذه الحالة وأطلق عليها «سن اليأس عند الرجال»، نعم
سيدي، فأنت أيضا تصاب بسن اليأس وليس المرأة وحدها. فقد ثبت طبياً ان سن
اليأس عند الرجل قدر لا مفر منه، وان كانت هذه المرحلة لا تتم بالطريقة
الواضحة نفسها التي تعيشها المرأة بيولوجياً، وانما يدخلها الرجل بالتدريج
مع وصوله الى سن الاربعين. كما حدد الطب العوارض الناتجة عن الانحسار
الهرموني فيها، بتعكر المزاج وبعض الاكتئاب. وتشير الدراسات الى ان أغلب
الرجال يعيشون هذه المرحلة، وإن اختلفت درجات اعراضها من واحد إلى آخر. أما
اهم عوارضها فتبدأ بالفتور والشعور بالخيبة والتعب وضعف الرغبة الجنسية
وعملية الانتصاب والقوى العضلية مع ازدياد الم في الظهر. وكل هذه العوارض
تترافق مع نوبات غضب لا مبرر لها.
كذلك لاحظ الاختصاصيون ان الرجال لا يتعاملون بجدية مع سن اليأس رغم
الامراض الخطيرة التي تتكشف عنها هذه الفترة بسبب تدني مستوى هرمون
«التيستوسترون» في الدم، مع الاشارة الى ان توفير هذه المادة ممكن من خلال
الحقن او الاقراص او اللصوق على الجسم.
ويقول الاختصاصي في الصحة الجنسية، الدكتور سليمان الجاري ان «جهلة
الاربعين» هي عملية دفاع عن النفس «يشعر فيها الرجل، مع بلوغه الاربعين،
بقصور في ادائه الجنسي، بدرجات قليلة، تترافق مع ظواهر جسدية تزيد ذهنية
المجتمع من وطأتها، فيشعر انه على عتبة النهاية لحياته الجنسية، لذا يبدأ
بالتعلق بحبال الهواء، ويتخذ مواقع دفاعية عن نفسه، فيلجأ الى خوض تجربة
عاطفية، كالتي كان يعيشها في سنوات الشباب، ومن دون ان ينتبه قد يعمد الى
اغراء النساء، لاسيما الصغيرات في السن من خلال تصرفه اليومي، وقد يتصرف
وكأنه محكوم بالاعدام ليس لديه ما يكفي من الوقت لتحقيق كل رغباته، فيسعى
الى العودة وبشكل اناني الى مرحلة تجاوزها، ويهتم بمظهره لاصلاح ما افسده
الدهر».
ويضيف الدكتور سليمان: «لكن عند الدخول الفعلي في سن اليأس، الأمر الذي
يصبح واقعاً بعد الخمسين، يتعكر مزاج الرجل فيشعر بالانكسار، لاسيما امام
زوجته، وعندما يضعف اداؤه الجنسي، ويعيش حالة اكتئاب وتوتر. واساس هذه
الحالة انعدام الحوار مع نفسه اولاً ومع زوجته ثانياً ومع المجتمع ثالثاً.
والاهم هو غياب الثقافة التي توجه الرجل الى استشارة الطبيب عند وصوله الى
هذه المرحلة».
ولعل المسألة الاكثر اثارة للحساسية والتشنج عند التطرق الى سن اليأس لدى
الرجل هي تردي الحياة الجنسية، رغم ان الطب يشدد على كونها ليست النتيجة
المباشرة لتقدم العمر، انما هي بشكل اشمل انعكاس لموقف شخصي من الجنس.
وتختلف تداعيات سن اليأس لدى الرجال من بيئة الى اخرى، فالمنحى الاجتماعي
والثقافة والمستوى الحياتي كلها امور تلعب دورها في هذه المسألة. وتأتي
العقاقير في رأس قائمة العلاجات السريعة والانفعالية لا سيما الفياغرا، اذ
يلجأ البعض لتناولها بشكل غير مدروس. ولعل بعض الاعلانات المبوبة تحت عنوان
«للرجال فقط» تحمل في طياتها دليلاً واضحاً على مدى «المعاناة» التي
يعيشها الحائرون في التعاطي مع مشكلتهم الجنسية، الناتجة عن اضطرابات سن
اليأس، حيث نجد وعوداً بالسعادة مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 20 الى 50
دولارا، مقرونة بتأكيد على ان هذه الاساليب العلاجية لا تترك آثارها
السلبية او عوارضها على مرضى السكري والقلب والضغط. وتشير بعض الاحصاءات
غير الدقيقة الى ان زبائن هذه الاعلانات ينتمون باغلبيتهم الى مستويات
اجتماعية متوسطة وما دون. وهم يعتمدون كذلك وصفات العطارة الشعبية وقد يصل
بهم الامر الى الاستعانة بخدمات المبصرين لحل عقدتهم واستعادة رجول
اما الرجال الذين يتميزون بالثقافة والانفتاح والمستوى المادي والعلمي
الجيد، فهم يفضلون استشارة طبيب متخصص عوضاً عن المغامرة بتناول عقاقير قد
تؤدي الى نتائج سلبية على الصعيد الصحي.
وينصح الدكتور سليمان الجاري الرجل في عمر الخمسين «ان يستشير الطبيب
الاخصائي بالهرمونات والطب الجنسي عندما يشعر بأي تراجع ولو بسيط في ادائه
الجنسي لأن العلاج الطبي في هذه الحالة يساعد كثيراً على حفظ القدرة
الجنسية واستمراريتها بشكل منتظم. اما اهمال الحالة وتركها تستمر وقتاً
طويلاً فأمر يشكل حالة تتطلب الكثير من العلاج والجهد مع نتائج اقل بكثير».
ويتابع أنه من الضروري أن يستشير الرجال بعد سن الاربعين الطبيب الاخصائي
حتى لو كانوا لا يشعرون بأية مشكلة صحية، لأن الطبيب الاخصائي في هذه
الحالة يقيم صحة الرجل وطاقته الهرمونية ويستطيع ان يستشف من خلال هذا
الفحص الطبي مستقبل الرجل الصحي والهرموني والجنسي ويضع العلاجات اللازمة
في الوقت المناسب مما يضمن له مستقبلاً صحياً وجنسياً جيداً ومنتظماً»
ويحذر الدكتور سليمان «من الذهنية الخاطئة والهروب ورفض الاعتراف بالحالة
خوفا من اهتزاز صورته المثالية، لأن هذا الرفض يؤدي الى فقدان توازن حياته
التي ارساها على هذه الصورة، التي تصل في بعض الاحيان الى حد
الكاريكاتورية. وتجنباً لكسر الصورة يصمت ويبلع قلقه، لكنه يحمل شريكته
المسؤولية عن وضعه المستجد بطريقة غير مباشرة» ان ازمة الرجل في سن اليأس
تختلف عنها لدى المرأة والسبب هو الفرق في الرغبة. فالرغبة عند الرجال هي
وبشكل عام سطحية وسريعة وغير انتقائية، بينما نجدها عند المرأة عميقة
وانتقائية، لذا لا تترك سن اليأس على المرأة يأساً فعلياً كما هو الحال
بالنسبة للرجل، الذي يصبح عنيفاً في العمل ومتطلباً الى حد الازعاج
وغالباً ما تدفع الزوجة ثمناً مضاعفاً لمرحلة سن اليأس، فهي ضحية هذه
المرحلة، مهما تمتعت بالصبر والحكمة، ذلك ان الرجل يبدأ بمراجعة ما انجزه
في حياته، وينتابه شعور باقتراب الاجل، فيفكر بما تبقى له وتدخل علاقاته
كلها دائرة التقييم، وقد يسلك البعض مسلكاً غريباً فيتصابى من جديد، وقد
يطالب زوجته بالانجاب، ليستعيد احساسه بانه ما زال شاباً، او قد يعاقبها
لانها لاحظت ضعفه، فيهرب من واقعه الى عوالم خيالية كاذبة، مع اصراره على
ان ينظر اليه المجتمع كرجل مكتمل الخبرة والنضوج. وفي الوقت ذاته يغرق في
ازدواجية لافتة ومحيرة، فيتخذ قرارات عشوائية تتعلق بالمال والمهنة. وقد
يعتبر الخيانة الزوجية الوسيلة الوحيدة للخروج من الملل وروتين الحياة
واثبات انه لا يشكو علة ما لنفسه ولزوجته ولمحيطه.