تصاعد في الأعوام الأخيرة هاجس نقص البترول أو انتهاء عصره، فحفز هذا
الكثير من الدول للبدء في إيجاد بدائل يمكن استخدامها كوقود إذا ما برزت
أزمات في الأفق.
وحيث أن السولار واحد من أهم أنواع المحروقات، الذي
يؤثر نقصه بقوة على العديد من القطاعات وعلى رأسها إنتاج الكهرباء، بدأت
أبحاث جادة لإيجاد بديل اقتصادي له.
وقد تمكن فريق بحثي من المركز
القومي المصري للبحوث من إنتاج وقود بديل لزيت الديزل "السولار" من الزيوت
المستهلكة في عمليات التحمير بالمطاعم، وقد حصل الفريق على جائزة الدولة
التشجيعية في العلوم تقديراً لهذا المنتج الجديد.
تقول د. فريال زاهر الأستاذة بقسم الزيوت والدهون بالمركز ورئيس الفريق البحثي:
فكرة
البحث عن بدائل لزيت السولار نشأت ضمن مشاريع بحثية بالمركز منذ 15 عاما،
وقد اتجهنا في البداية إلى الزيوت النباتية التي لا تصلح للأكل فاستخدمنا
زيت "رجيع الكون" المستخرج من الأرز، والذي لا يدخل في الصناعات الغذائية
لارتفاع نسبة الحموضة به ووصولها إلى 50% وهو ما يجعله يدخل بشكل أساسي في
صناعات الصابون. وقد نجحت البحوث بالفعل في إنتاج زيت ديزل منه.
إلا
أنه لخفض التكلفة اتجه التفكير إلى استخدام زيوت الطعام بعد استهلاكها في
عمليات التحمير. وبعد الكثير من التجارب استطاع فريق البحث أن يضع يده على
المشكلة الأساسية التي حالت دون استخدام هذا الزيت كزيت ديزل.
وتوضح
د."زاهر" أن المشكلة الأساسية في الزيوت النباتية هي كونها عالية اللزوجة
وهو ما يقلل من كفاءة عملية الاحتراق وبالتالي يقلل من كفاءة تشغيل
المركبة، ومن ثم فإن الهدف الأساسي الذي سعى البحث إلى تحقيقه هو خفض هذه
اللزوجة إلى الثلث وهي نسبة معقولة أثبتت التجارب أنها كافية لإتمام علمية
الاحتراق بكفاءة.
وعن الكيفية التي تحقق بها ذلك تشير د. "زاهر"
إلى أنه تم عن طريق إجراء عملية تحوير كيميائي للزيت "قمنا خلالها باستخدام
كحوليات الميثانول والإيثانول بالإضافة إلى مركبات هيدروكسيد الصوديوم أو
هيدروكسيد البوتاسيوم" وعن طريق إجراء تفاعل كيميائي بينها تم خفض لزوجة
الزيت بالمستوى المطلوب ليصبح قادرا على تشغيل الماكينة.
* زيت القلي فاق السولار :
أما
عن انتقال استخدام هذا الوقود الجديد من النطاق البحثي إلى النطاق
التطبيقي فتقول د. أميمة القناوي الباحثة بقسم الزيوت والدهون والتي أسند
إليها متابعة كفاءة هذا الزيت في التشغيل:
"إن تجربة هذا الزيت مرت
بمرحلتين: الأولى كانت للتأكد من كفاءته في تشغيل المركبة، والثانية كانت
للاطمئنان على أنه ليس له أي أضرار جانبية تؤذي ماكينة المركبة، فليس هناك
معنى أن أحل مشكلة فأخلق مشكلة أخرى".
وقد أسفرت التجارب التي تم
خلالها الاستعانة بباحثين متخصصين في هندسة السيارات أن هذا الزيت عند
استخدامه مع بعض ماكينات الديزل داخل المركز كانت كفاءته عالية جدا في
التشغيل، كما لم تكن له أي أضرار على المركبة.
وكانت المفاجأة أنه
بعد سلسلة من التجارب تفوق على زيت السولار الأصلي في الحفاظ على ماكينة
المركبة وهو ما أرجعه أساتذة هندسة السيارات إلى نسبة اللزوجة التي احتفظ
بها زيت الطعام رغم إجراء التحوير الكيميائي، في الوقت الذي تكاد تنعدم فيه
نسبة اللزوجة بزيت السولار.
* لزيت القلي العديد من المزايا :
لهذا الزيت العديد من المزايا كما تؤكد د.القناوي:
فهو
أقل ضرراً بالبيئة من السولار الأصلي لانخفاض نسبة مركبات الكبريت به،
التي تتحول عند الاشتعال إلى غاز ثاني أوكسيد الكبريت الذي يلوث الهواء
ويلحق أضرارا صحية خطيرة بالبشر. فحسب آخر إحصائيات لمنظمة الصحة العالمية
هناك 800 ألف شخص في العالم يلقون حتفهم سنوياً بسبب أمراض تتعلق بتلوث
الهواء الذي يعتبر قطاع النقل أحد أوائل المسببات له.
كما أن
استخدام الزيوت النباتية المستهلكة كوقود يحل مشكلة التخلص منها، حيث يدفع
أصحاب المطاعم الكثير من النقود للأفراد الذين يخلصونهم منها، هذا فضلا عن
أنه سيكون بديلا مناسبا للسولار في حالة حدوث أي أزمة في إنتاجه أو
استيراده في الدول التي لا تنتجه.
وعلى الرغم من أن تكلفة إعادة
تدوير زيت القلي ليصبح صالحاً للاستخدام كوقود تجعله أعلى في السعر نسبياً
من السولار (يزيد بنسبة 15% تقريباً عن سعر السولار حالياً)، إلا أن مجرد
وجود بديل أغلى إلى حد ما هو ميزة هامة لما للسولار من أهمية كبيرة في
العديد من القطاعات ومنها الزراعة والصناعة والكهرباء والنقل، فأي نقص في
المتوفر منه في السوق يؤثر سلبا على تلك القطاعات حيث تزيد تكلفة الإنتاج
بصورة مبالغ فيها ويؤدي ذلك إلى رفع أسعار المنتجات النهائية على
المستهلكين.
ولخروج الوقود الجديد إلى نطاق التطبيق العملي على
مستوى واسع طالبت د."زاهر" بإنشاء مشروع قومي يتم خلاله تجميع الزيوت
المستهلكة بالمطاعم بشكل شبه يومي لتوفير مخزون إستراتيجي منه والاستفادة
به في تصنيع بديل السولار.