لا يطلق لفظ ((آية)) إلا على الشيء العظيم، وما أشبه الآية بالمعجزة ألا ترى إلى قول الله –عز وجل–:{وَلَقَدْ
آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ
إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنَ إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى
مَسْحُوراً} [الإسراء: 101].
ويطلق لفظ آية على الجملة من القرآن الكريم، والقرآن الكريم كلام الله الذي تحدى به الإنس والجن، فقال عز من قائل: {قُل
لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ
هَذَا القُرْآنُ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء: 88].
وقد قال الشاعر من قديم:
وفي كل شيء له آيةٌ تدل على أنه الواحدُ |
أي علامة عظيمة في كل شيء تراه تدل على
وحدانية الله عز وجل وعظيم قدرته وجليل حكمته، ومن الآيات التي دعانا ربنا
–عز وجل– إلى التفكر فيها آية الزواج؛ قال ربنا عز من قائل: {وَمِنْ
آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكِنُوا
إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ
لآيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].
فكيف يتسنى لنا التفكر في آية الزواج؟ وما الذي يترتب على هذا التفكر من علاقة سوية بين الأزواج ومن عيشة هنية، وصحبة مرضية؟
لا شك أن أول ما يدعو إلى التفكر أن الزواج
يتم بكلمة، هي قول ولي المرأة لخاطبها ((زوجتك فلانة)) وإجابة ذلك الخاطب
بقوله ((قبلت)) وهذا التعبير عن الإيجاب والقبول مع وجود شاهدي عدل من
الرجال المسلمين والولي- ينبني عليه أن يصير كل منهما زوجًا للآخر، وقد
كانا قبيل هذا العقد أجنبيين، فسبحان الله العلي العظيم الذي قرب البعيد
بكلمة، وأدنى النائي بعبارة، تلك الكلمة كما كانت بداية عهد وحياة، تكون
عند الضرورة نهايةَ عقد وفرقه إذا قال لها ((أنت طالق)) صريحة هكذا، ومن
هنا يجب أن يتعلم الناس معنى الكلمة وأثرها، وأن يعي الشباب خصوصًا خطورة
تلك الكلمة التي يتلاعبون بها هزلاً وفصلاً، نقول للرجل: كما تزوجت
بكلمة... اعلم أنك تفارق بكلمة. فاحفظ عليك لسانك، واشكر الله تعالى أن
علمك حدوده فلا تتعد حدوده، ولا تتخذ آيات ربك هزوًا؛ ففي سياق الطلاق يقول
ربنا:
{وَلاَ تَتَّخِذُوا
آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا
أَنزَلَ عَلَيْكُم مِنَ الكِتَابِ وَالْحِكْمَةَ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُوا
اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 231].
وإذا حاولتُ أن أستثمر هذا المعنى في تربية الشباب على حياة زوجية ناجحة أقول:
إنَّ الكلمة التي كانت سببًا لاجتماعكما هي
أيضًا سبب لاستقامة حياتكما، فالكلمة الطيبة التي تسري بينكما كما يسرى
النسيم بين الغصون، يرطب منها ما قست عليه الشمس، ويلطف من حرارتها، هي
التي تكون حبل وصال بينكما، فلا يضِقْ صدرُك منها ولا يضق صدرُها منك، وإذا
كانت الكلمة الطيبة في الإسلام صدقة، فما المانع الذي يمنعك أن تتصدق على أهلك؟
وما المانع الذي يمنعك أن تتصدقي على زوجك، وقد روي البخاري في صحيحه عن
النبي –صلى الله عليه وسلم– أن اللقمة يضعها الزوج في فم زوجته صدقة، وفي
البخاري كذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((خيركم خيركم لأهله وأنا
خيركم لأهلي)).
وبنظرة في بعض مصادرنا نجد حوارًا بين رجل وامرأة، هما (حمران بن الأقرع
الجعدي) و(صدوف) وهو اسم المرأة، كانت صدوف هذه امرأة غنية خطبها رجال
كثيرون، وكانت ذات مال كثير، فما أعجبها غير حُمْران هذا، وقد جاء في
قصتهما أن حُمْرَان حين أناخ ببابها ناقته ودخل ظل واقفًا، وكان الذين
سبقوه إذا دخل الواحد منهم جلس، فلما جاءت ورأته واقفًا سألته:
- فما يمنعك من الجلوس؟
فقال:
- حتى يُؤْذَن لي.
قالت:
- وهل عليك أمير؟
قال:
- رب البيت أحق ببِنَائه، ورب الماء أحق بسقائه، وكلٌّ له ما في وعائه.
فقالت له:
- اجلس، فجلس.
ثم قالت له:
- ماذا أردت؟
فقال:
- حاجة، ولم آتك لحاجة.
فقالت:
تسرها أم تعلنها؟
فقال:
- تُسَرُّ وتُعْلن.
قالت:
- فما حاجتك؟
فقال:
- قضاؤها هيِّن، وأمرها بيِّن، وأنت بها أخبر، وبنجحها (نجاحها) أبصر.
قالت:
- فأبصرني بها.
فقال:
قد عرَّضْتُ وإن شئت بنيت.
وسألته عن ماله فقال: ورثت بعضه، واكتسبت أكثره. فتزوجها.
وفي ذلك جمع بين حسن المقال وحسن الحال، فتأمل كيف يقع الكلام على النفس موقع الندى على وجه الزهر!.