لسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يجتهد
الصائمون في أداء الفريضة ابتغاء مرضاة الله، وهم يستمتعون بأحاسيس ومشاعر
روحية تنعكس على حالتهم النفسية بشكل إيجابي إلى حد بعيد، وفي مقدمة هذه
المشاعر الإحساس بالرضا عن التواصل بين العبد وربه، لقناعة الصائم بأن
فريضة الصوم لها خصوصية معينة عند الله سبحانه وتعالى خصها عن سائر
العبادات.
وللصيام
فوائده نفسية عديدة، أولاها إنماء الشخصية. ومعناه النضج وتحمل المسؤولية
والراحة النفسية. إنه يعطي الفرصة للإنسان لكي يفكر في ذاته، ويحقق التوازن
الذي يؤدي إلى الشعور بالرضا والاطمئنان والسلامة النفسية، وبالطبع فإن
الصيام يدرب الإنسان، وينمي قدرته على التحكم في الذات. إنه يخضع كل ميول
الدنيا تحت سيطرة الإرادة، وكل ذلك يتم بقوة الإيمان.
يقول
الدكتور خالد سعد النجار: “تتجلى في رمضان أسمى غايات كبح جماح النفس
وتربيتها بترك بعض العادات السيئة لفترة الصيام، هذا فضلاً عن فوائد نفسية
كثيرة، فالصائم يشعر بالطمأنينة والراحة النفسية والفكرية ويحاول الابتعاد
عما يعكر صفو الصيام من محرمات ومنغصات ويحافظ على ضوابط السلوك الجيدة.
ومما لاشك فيه أن كثيراً من الدراسات تؤكد انخفاض نسبة الجريمة بوضوح في
البلاد الإسلامية خلال شهر رمضان. فالصيام يزيد من قوة الإنسان وقدرته على
التغلب على الشهوات، لأنه ليس فقط امتناعا عن الطعام والشراب، لكنه قبل ذلك
امتناع عن العدوان والشهوات والميل إلى الشر. فالصائم يخضع الملذات
لإرادته، فعند الصيام ينقص السكر في الدم، وهذا يسبب نوعاً من الفتور
والكسل والسكينة، وهذه الأحاسيس تؤدي إلى نوع من الضعف والقابلية للإيحاء،
ومن ثم يكون الإنسان في حالة من التواضع وعدم الاختيال بالذات، مع إحساس
بالضعف الديني، ومن هنا يأتي الخشوع والاتجاه الصحيح إلى الله، وهو ما يعزز
إيمان الإنسان ويقوي عقيدته. وهكذا نجد الصيام هو الذي يعمق الخشوع
والإحساس بالسكينة، والتحكم في الشهوات وإنماء الشخصية. وقد يسبب انخفاض
نسبة السكر نوعاً من الصداع والدوخة عند بعض الناس، وارتعاشا في أطراف
اليدين، مع ظهور حبات العرق، وإحساس الإنسان بالعصبية الزائدة مع سرعة
الهياج و”النرفزة”. فالهدف من الصيام هو التحكم في النفس البشرية وميولها
العصبية وهذا هدف متميز من أهداف الصيام، أما الشخص الذي يصاب بنوبة صرعية،
أو نوبة هستيرية عند نقص السكر في الدم، يصبح الصيام خطراً، وعليه أن يفطر
ما دام الصيام قد أصبح يحدد حياته”.
تعزيز الإيمان
يضيف الدكتور النجار: “إذا كانت طريقة ونوعية الصيام تختلف من دين إلى آخر،
إلا أن الصوم بشكل عام يهب الإنسان السكينة والهدوء والخشوع والتغلب على
الملذات، والاتجاه والتقرب إلى الله. واذا كان رمضان شهر القيام، فقد يثور
في الذهن تساؤل، لقد اختار الله الليل ليكون وقت الاستغراق في العبادة، لكن
هل يكون ذلك على حساب صحة الإنسان العقلية، ونحن نعلم كم هو مفيد نوم
الإنسان في الليل؟ والجواب أنه لن يكون ذلك أبدًا، فقد كشفت الدراسات
النفسية في السنين الأخيرة أن حرمان المريض المصاب بالاكتئاب النفسي من
النوم ليلة كاملة، وعدم السماح له بالنوم حتى مساء اليوم التالي، هذا
الحرمان من النوم له فعل عجيب في تخفيف اكتئابه النفسي وتحسين مزاجه حتى لو
كان من الحالات التي لم تنفع فيها الأدوية المضادة للاكتئاب، ثم أجريت
دراسات أخرى ـ في باكستان تحديدا ـ فوجدوا أنه لا داعي لحرمان المريض من
النوم ليلة كاملة كي يتحسن مزاجه، إنما يكفي حرمانه من نوم النصف الثاني من
الليل، لنحصل على القدر نفسه من التحسن في حالته وصدق العلي العظيم
(كَانُوا قَلِيلا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالأَسْحَارِ هُمْ
يَسْتَغْفِرُونَ)، إذن لقيام الليل والتهجد في الأسحار جائزة فورية، وهي
اعتدال وتحسن في مزاج القائمين والمتهجدين، وفي صحتهم النفسية. فالصوم له
فوائده المؤكدة من الناحية النفسية، وإن كان يتعارض مع بعض المرضى إلا أنه
لا يتعارض كثيرا من هذه الأمراض، وعلى هذا يستطيع هذا المريض أن يصوم، بل
ومن الضروري أن يفعل ذلك، فالصيام له تأثيره المخفف لحدة المعاناة والآلام
في كثير من الحالات النفسية والعقلية”.