مع أن الحيوانات في الجزائر، ليس لها أي محل من الإعراب، فلا جمعيات تمثلها، ولا »بريجيت باردوات" تذرفن عليها الدموع في كل مناسبة، ولا غرابة في ذلك، طالما أن حقوق الإنسان ضاعت تحت الأقدام، إلا أن هناك بعض الجزائريين صنعوا الاستثناء، عندما توجهوا إلى العناية بالحيوانات بشكل يثير الدهشة، في مجتمع لا يعني له الحيوان إلا مجرد كائن مركوب أو مأكول أو مطارد!.
*
بل هناك من الجزائريين من زاد على هذه الخصلة »الطبية"، ومنح قلبه وعقله لحيوان ما، فصار يبثه لواعج صدره، ويشكو له أحزانه، ويذرف عليه الدموع الحرى إذا »وافته المنية" مثلما تكشفه هذه العينات.
*
*
"همتارو" أخذ عقلها!
*
لا أخفيكم، أنني تعجبت وأنا أبحث في النت عن موضوعات لها صلة بتعلق الجزائريين بالحيوانات، عندما وجدت موقعا يحمل اسم »منتديات شباب الجزائر"، وهو موقع جزائري يعنى بكيفية الاهتمام بالقطط و»العناية الفائقة بتمشيطها" وأنواع الأمشاط المستخدمة في التمشيط وطريقة تدليكها، وما إلى ذلك من النصائح التي تصلح أيضا للتطبيق على المتخلفين عقليا، والشيوخ والعجائز الذين ينتهي بهم الأمر في زاوية مظلمة من زوايا بيوتهم أو في ركن منسي في المصحات العقلية أو دور العجزة بعد أن يضيق بهم أهاليهم ويقرروا »التنازل" عنهم لإحدى الجهات »المعنية"!. وتعجبت أكثر، حينما قرأت خبرا عن جزائرية أوصت بأربعة ملايين أورو للقطط والكلاب والحمير ببريطانيا، في الوقت الذي يوجد فيه جزائريون يبيتون على الطوى ويظلونه، وبلغ تعجبي مبلغا كبيرا، حينما قرأت رسالة بعثتها جزائرية لإحدى المنتديات، تسأل على لسان صديقتها، سؤالا يعبر عن مشكلة نفسية، أكثر من أي شئ آخر، وهو: »هل سألتقي بفأري الأبيض في الجنة؟!"، وبحسب ما ورد في رسالة السائلة، فإن صديقتها كانت تعتني بفأر أبيض من فصيلة "همتارو"، ويبدو أنها تعلقت به تعلقا مرضيا، وفجأة مات، فحزنت عليه أيما حزن، لدرجة أنها تملكتها رغبة شديدة في الالتقاء به في الدار الآخرة، ومثل هذا السؤال لا يستطيع الإجابة عليه إلا أصحاب الفتاوى الجاهزة، من شاكلة المفتي الذي يفتي للمرأة بعدم خلع ثيابها أمام كلب ذكر!
*
*
تعلقت بحمامة بعد وفاة أمها!
*
وإذا كان سؤال صاحبة »همتارو" يثير الضحك لما ينطوي عليه من طرافة وغرابة، إلا أن قصة »سماح"، الفتاة التي تعلقت بحمامة بعد وفاة والدتها تثير الحزن، حيث تقول ابنة عمتها نبيلة، التي روت لنا هذه الحادثة: »ماتت عمتي بعد معاناة طويلة مع السرطان، وتركت ولدا وبنتا لم يتعد سنها حين ماتت 15 سنة، وفجأة، وعلى حين غفلة من الجميع تعلقت بحمامة إلى حد الجنون، إذ لم يكن يهدأ لها بال إلا حينما تراها، ولست أبالغ إذا قلت إن الحمامة كانت تنظر إليها بعينين ثاقبتين مخيفتين، لدرجة أننا توجسنا منها خيفة، وهو ما حدا بأخيها إلى طرح مشكلتها على طبيب نفسي، الذي نصحه بالتخلص فورا من الحمامة، لأن أخته لا تنظر إليها على أساس أنها حمامة، وإنما كانت ترى فيها أمها التي فقدتها، وعاد ابن عمتي فورا من عيادة الطبيب، واتجه نحو الحمامة، ولوّى عنقها أمام أخته التي بدأت تصرخ صراخا مخيفا، وكأنها فقدت شخصا عزيزا، ولكنها شيئا فشيئا، تعودت على الأمر وعادت إلى طبيعتها".
*
*
تركوا مدارسهم ليبحثوا عن العصافير في الغابات
*
ومن الطرائف التي كشف لنا عنها هشام، وهو بائع حيوانات بالدويرة، أن هناك تلاميذ امتنعوا عن الذهاب إلى مدارسهم من أجل أن يبحثوا في غابات المدية وزرالدة والشلف وبوزريعة عن عصافير نادرة، في وقت ظل أولياؤهم يعتقدون أنهم في مدارسهم. وذكر هشام أيضا في هذا السياق، أن أحد المواطنين وصل به الهوس بالعصافير، إلى حد أن طلّق زوجته، لأنها نسيت أن تطعم العصافير التي كان يربيها في البيت. وفي حادثة أخرى لا تقل غرابة عن سابقتيها، أقدم أحد المهووسين بالعصافير، على تغيير سيارته القديمة بطائر حسّون ذي تغريد مميز، وذكر بائع الحيوانات، أنه بحكم مخالطته للكثير من الزبائن الذين يترددون على محله، اكتشف أن بعضهم يخصص نسبة معتبرة من ميزانية العائلة للعصافير ومستلزماتها من أدوية وأكل وأقفاص.
*
*
علاج الأسباب
*
ينظر علماء النفس إلى التعلق الزائد بأي شخص أو حيوان، على أنه مشكلة نفسية ينبغي البحث في الأسباب التي أوجدتها، ومن بينها الحرمان العاطفي في الأسرة، سواء كان بسبب خلافات أسرية، أو مكتسبات معرفية خاطئة، تمنع الآباء من إظهار عواطفهم لأبنائهم، أو موت شخص عزيز كان يمثل الأمان بالنسبة للشخص المتعلق، ويعد اضطراب الشخصية عاملا أساسيا له اليد الطولى في هذه المشكلة، وعليه ينصح النفسانيون هذه الفئة من الناس، بضرورة محاصرة هذه الأسباب وعلاجها حتى لا تتأزم الحالة النفسية للشخص، ومن يدري، فربما ينسب هذا المهووس نفسه إلى الحيوان الذي تعلّق به، أو يسجّله في دفتره العائلي