بعدما حرمتنا التكنولوجيات الحديثة من حميمية الالتقاء، انتقلت إلى ذكريات الطفولة وتمكّنت بطاقة الذّاكرة وشريحة الهاتف في القضاء على ذلك الكرّاس الذي طالما كان بمثابة ذاكرة الطفل وتاريخه، “كراس الذكريات “الذي اختفى من يوميات الجيل الجديد
من منا لا يتذكّر عندما كنا نتبادل الكراريس لنزينها بأجمل الورود والصور ونكتب فيها أرقى الكلمات وأجملها، كراريس تحوي الشعر و لخاطرة والحكمة وما إلى ذلك ممّا جادت به خواطرنا، وكذا بطاقات أعياد الميلاد والتهاني وبطاقات بريدية ترسم أجمل الأماكن الشاعرية، لنخرج في نهاية السنة بكرّاسة تحوي أجمل الذكريات وتختصر اللحظات المليئة بكل المشاعر الصادقة.. تلك الكراريس التي تحمل كل صفحة منها ذكرى شخص أو صديق غال على قلوبنا، عايشناه وألفناه لفترة، وربما لن يمكّننا القدر من رؤيته مرة أخرى.
الحنين إلى الماضي..يرجعنا إلى كرّاس الذكريات
لعل أكثر ما يدفعنا إلى تصفّح أوراق كرّاس الذكريات، هو الحنين إلى الماضي، وتذكّر اللحظات الجميلة، أو الهروب من أعباء ومشاكل الحاضر إلى حضن الطفولة والبراءة، التي نفتقدها في حياتنا اليومية. هذا ما توصلنا إليه من خلال حديثنا مع المواطنين حول “كرّاس الذكريات”، فنسيمة 32 سنة على سبيل المثال، تقول في هذا الموضوع “أعود إلى كرّاس الذكريات لأستحضر براءة الطفولة، وأحاول أن أعود إلى تلك القصص التي طواها النسيان”.
من جهتها؛ صديقتها نوال ترى أنه ليس هناك ما يحل محل كرّاس الذكريات مهما تطوّرت وسائط الاتصال الحديثة، فلا وسيلة بإمكانها أن تطلعنا على ماضينا، مثل كرّاس الذكريات ولا أداة تطلعنا على سذاجة الطفولة فينا، مثل الصفحة التي كتب فيها زميل بقلم الحبر ورسم بأقلامه الخشبية. كل هذه المظاهر والأجواء لا يمكن أن نعيشها إلا برفقة هذا الكرّاس المقدّس الذي يحوي كل ذكريات الدراسة التي كثيرا ما نسترجعها لنبحث في طيّاتها عمّا يبعث في قلوبنا نشوة استرجاع الأحداث الجميلة.
كرّاس الذكريات مجهول الهوية عند الجيل الجديد
من خلال جولة استطلاعية قامت بها “الفجر”، تفاجأنا بأن فئة المراهقين يجهلون تماما معنى كرّاس الذكريات، فهم لا يحتفظون بذكريات أصدقاء الدراسة إلا في لائحة الأرقام على الهاتف، أو في قائمة الصور على بطاقة الذاكرة، والتي يمكن أن تتعرض للتلف أو السرقة في أي وقت ليضيع كل ما يذكر الأشخاص بماضي صداقاتهم، فآمال 17 سنة لا تحمل أي ذكريات تربطها بمرحلة الدراسة الابتدائية، حتى الصور الجماعية كانت تحفظها في الهاتف ليضيع كل ما احتفظت به تحت طائلة التكنولوجيا والتطور العلمي، حتى أنها لا تتذكّر أسماء صديقاتها من المرحلة الابتدائية، لتتمنى لو إنه كان لديها كرّاس مثل تلك التي كانت تراها عند أختها الكبرى، هو ما ذهب إليه العديد من المراهقين الذين وبالرغم من انبهارهم بالتكنولوجيا إلا أنهم يفتقدون حميمية العلاقات الانسانية.
كرّاس الذكريات...والفيسبوك
من جهة أخرى وعلى العكس من الرأي القائل بالقطيعة بين الوسائل القديمة والتكنولوجيات الحديثة، فإن الكثير ممن لا زالوا يحتفظون بكراريس الذكريات أصبحوا يستعملونها عبر الفيسبوك في العثور على أصدقاء الطفولة، الذين تسببت مشاغلهم في تفريقهم عن بعضهم، فجميلة على سبيل المثال فرحت كثيرا عندما وجدت صديقة طفولتها التي فارقتها منذ عشرين عاما عندما غيرت مكان إقامتها من بومرداس إلى الجلفة، حيث انقطع الاتصال بينهما، ولكن وبفضل كراس الذكريات الذي يحتوي على اسمها ولقبها تمكّنت من إيجادها على صفحات الفيسبوك، لترجع حبال التواصل بينهما. هي علاقة أحدثتها الظروف وأثبتت أن إيجاد تقنيات حديثة لا يلغي بالضرورة كل ما كان قديما.
ذهبت تلك الأيام الحلوة وطوت معها كل الذكريات الجميلة وربما أضاع معظمنا هذه الكرّاسة ولم تعد لها حياة أو أنها ما زالت موجودة ولكن مرمية مع أرشيف العائلة في ركن منسي من البيت. ولكن الأكيد أن رغم مرور الأيام تبقى بعض الملامح بين طيات الذكريات.