إنّ الماء من أعظم النِّعم على البشرية وعلى جميع الكائنات، حيث جعله الله تعالى من أهم أسباب الحياة فهو روح الكائنات بعد الروح، حتّى اقترنت الحياة بالماء فقال تعالى: ''وجعلنا من الماء كلّ شيء حي'' سورة الأنبياء.
ومن هذه الآية يتبيّن أهمية الماء لجميع المخلوقات وأنّه لا يمكن الاستغناء عن الماء مهما بلغت البشرية من علم وتكنولوجيا، حيث أن التطور العلمي قد وجد بدائل لكثير من وسائل الحياة، ولكنّه لم يجد بديلاً عن الماء، بل إنّ حاجة البشرية ازدادت إلى الماء وصار من يملك ثروة الماء يتحكّم في غيره وقد تنشب حروبًا بسبب الصراع عن الماء.
واعلموا رحمكم الله أنّ الله تعالى قد ذكرنا في كتابه العزيز بنعمة الماء العذب فقال تعالى: ''أفرأيتُم الماء الّذي تشربون أنتُم أنزلتموه مِن الْمُزْنِ أم نحن المُنزِلون لو نشاء جعلناه أُجَاجًا فَلَوْلاَ تشكرون'' سورة الواقعة.
والشُّكر لهذه النّعمة يكون بعدم الإسراف فيها. وقد جاء التحذير صريحًا من الإسراف في الماء كما هو في الطعام فقال تعلى: ''وَكُلُوا واشربوا ولا تُسرِفوا إنّه لا يُحبّ المسرفين'' سورة الأعراف.
وقد جاء النهي كذلك على لسان سيّد البشر صلّى الله عليه وسلّم كما ورد في الخبر: ''لا تُسْرِف ولو كنتَ على نهر جار''.
وقد بينت السنة الفعلية مدى اهتمام نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم بالاقتصاد في الماء فكان يتوضّأ المد ويغتسل بالصاع، وحذّر من الإسراف في الوضوء فقال عليه الصّلاة والسّلام: ''يكون قوم في آخر الزمان يعتدون في الدعاء والطهور'' رواه الإمام أحمد وأبو داود.
× إنّ الإسراف في الماء ولو لم يلحق أيّ ضرر بالغير فهو أمر مذموم وصاحبه مأثوم، فكيف إذا كان هذا الإسراف يسبّب ضررًا بالغير؟
فالمُسرف مبغوظ عند الله كما جاء صريحًا في كتابه العزيز فقال تعالى: ''إنّه لا يُحبّ المسرفين''. وأمّا مَن كان سببًا في حرمان غيره من هذه النِّعمة والمادة الضرورية للحياة فهو بلا شك ضعيف الإيمان كما أخبر نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم: ''لا يؤمن أحدكم حتّى يُحبّ لأخيه ما يُحبّ لنفسه''. وقال عليه الصّلاة والسّلام: ''أفضل الصدقة سقي الماء''، وهذا يعني أنّ من أعظم الذنوب أن يمنع الإنسان غيره من الماء.
ولكن مع الأسف ونظرًا لبعدنا عن تعاليم ديننا وتوجيهات نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، نجد أنّ مَن كان في الأسفل يشرب ويغسل سيارته، ومَن كان في الأعلى يحرم من الماء ولا ينال منه إلاّ القليل لأنّ مصيره صار بيد جاره.
فاتّقوا الله في هذه النِّعمة واتّقوا الله في إخوانكم، فكونوا عباد الله إخوانًا وإيّاكم والأثرة والأنانية. فإنّ الله تعالى قد يغفر لامرأة بغية لأنّها سَقَت كلبًا فكيف لمَن يسقي أخاه الإنسان وجاره في المكان. وإنّ الله أدخل امرأة النّار في هرّة ربطتها ومنعتها الماء والطعام، فكيف لمَن يستأثر بالماء دون غيره من الإخوة والجيران .