بين من يقول أن بكالوريا 2011 هي هدية قد لا تتكرر بفعل النجاح القياسي، وبين متمسك على أن للحظ جانبا في تحديد المتفوقين والمتفوقات أو على الأقل معدلاتهم، كانت للشروق جولة استطلاعية مع شباب وشابات كانوا خارج الإطار، حيث ذرفوا دموع الخيبة بدل دموع الفرح وبعضهم دخل في خلوة مع النفس بعد أن تحوّلت كل المدن والقرى الجزائرية يومي الأربعاء والخميس إلى أفراح ممزوجة بالزغاريد والاحتفالات، وبقي الراسب وحده خارج إطار الفرحة.
بداية طرح بعض الراسبين مشكلة طريقة الإعلان عن النتائج التي صارت تتغير من سنة إلى أخرى ورأوا أن "الأس آماس" أو "النت" يهدد الناجحين والفاشلين بالسكتة القلبية، ثم أن "المويبل" و"الأنترنت" ليس في متناول كل الناس، خاصة كبار السن المهمومين بأبنائهم، واقترحوا العودة إلى النظام السابق في السبعينات من القرن الماضي عندما كان الإعلان عن الناجحين يتم عبر المناداة في ثانوية في كل مدينة أو منطقة أو عبر الإذاعة، خاصة أنه أصبح الآن لكل مدينة إذاعة محلية، وتساءلوا لماذا يتم تأخير الإعلان عن النتائج في الثانويات عن الإعلان عبر الأنترنت رغم أن هذا الإقتراح تجاوزه الزمن بفعل قرابة ربع مليون ناجح لا يمكن أن تكفيهم كل الإذاعات في يوم وحيد..
أما غالبية الفاشلين، فلاموا زملاءهم الناجحين الذين بالغ الكثير منهم في إظهار سعادته بما يشبه الإستفزاز كما قالوا.. إذ لا يعقل أن تهتز عمارة على الأنغام والزغاريد والسهر مع الغناء الصاخب إلى فجر الخميس في مدينة عنابة، في الوقت الذي يوجد في ذات العمارة طالب ضمن الراسبين وهو الطالب سفيان عيشوش الذي قال للشروق أنه كان أول من هنّأ صديقه بالنجاح، ولكنه اعتبر مغالاة الناجح وعائلته في الفرحة رغم المعدل الذي لا يزيد عن العشرة إلا قليلا بالشيء غير المقبول.. وما حزّ في نفس كريمة التي فشلت للعام الثاني على التوالي في دخول الجامعة أن مواكب السيارات المبتهجة بنجاح هذا الطالب أو ذاك صارت الآن تقليدا فيه جُرح مباشر لكل فاشل ولعائلته بالخصوص، وتقدم السيارات شباب الحي والعائلة الذين يخرجون أجسادهم من نوافذ السيارات ويمتطون سطحها أحيانا ويهتفون ويحملون الأعلام وصور بعضهم فيها الكثير من المبالغة وخدش مشاعر الراسبين والراسبات بالخصوص الماكثات بالبيت وليس لهن وسيلة الهروب إلى شارع آخر أو مكان خال من الحركة، كما يفعل بعض الراسبين من الذكور وهو ما اعتبره وليّ تلميذة فاشلة بتدهور الأخلاق عندنا وانعدام التكافل.
النفساينة ريمة شارف اعتبرت ما يحدث من الصعب معالجته، لأنه لا يمكن حجر فرحة العمر على عائلة ربما لم تفرح منذ سنوات، كما أن طريقة الفرح من خصوصيات كل إنسان، والمجتمع يعلن أحيانا زواج إبن وسط الزغاريد في حي فيه حادثة وفاة وحداد، كما أن لعبة الكرة التي تصنع أفراح الشارع محليا بسبب فوز فريق في لقاء داربي أو فوز بالبطولة يكون في مقابل لها خاسر يبتلع جمهوره غيظه، النفسانية ريمة قالت للشروق أن أصعب ما في حكاية البكالوريا أن الراسبين في سن صعبة في عمومهم بين المراهقة والرشد، ولكنها سن حاسمة أيضا.
الراسبون عددهم هذا العام أقل بكثير من الناجحين وهم بالآلاف، وللأسف الاهتمام بهم شبه منعدم، خاصة أن البعض منهم لا يمكنه العودة إلى الثانوية واجتيازه لشهادة البكالوريا ضمن الأحرار قد يكون في موسم يقضيه في الشارع.. الراسبون قالوا أنهم في حاجة في أقرب وقت لمعرفة مصيرهم فعلى الدولة أن تهتم بهم كما تهتم بالناجحين، فإذا كان للناجح جامعة وشُعب سيختار طريقه عبرها، فإن الراسب فاقد في الأيام الأولى لبوصلته في انتظار الفرج
المصدر جريدة الشروق ليوم الأحد10/07/2011