’’ فتـاوى في سُجود التِّلاوة ‘‘
لسَمَاحَةِ الشَّيْخِ العَلَّامَةِ د. عَبْدِ اللَّـهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جِبْرِيْنٍ
ـ حَفِظَهُ اللَّـهُ تَعَالَى ، ورَعَاهُ ـ
قام بتنسيق الفتاوى ونشرها :
سَلمَانُ بْنُ عَبْدِ القَادِرِ أبُوْ زَيْدٍ
- غَفَرَ اللَّـهُ لَهُ ، ولِوَالدَيْهِ ، ولِمَشَايخِهِ ، ولجَمِيْعِ المُسْلِمِيْنَ -
تقديم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله وحده ، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه ، وبعد :
فقد رفع إلي الدكتور طارق بن محمد بن عبد الله الخويطر أسئلة تتعلق بسجود التلاوة ، وحكمه ، وشروطه ، وما يقال فيه ، وقد أجبت عليها باختصار لتناسب العامة والخاصة ، وقد أذنت له في تصحيحها ثم طباعتها ، والإشراف على الطبع والنشر ، وله الصلاحية فيما يراه من العنوان والكمية لأهليته لذلك .
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
قاله وكتبه : عبد اللَّـه بن عبد الرَّحمن الجِبرين
عضو الإفتاء المتقاعد .
________________________________________
« حكم سجود التِّلاوة »
س 1 : ما حكم سجود التلاوة ؟ .
ج 1 : سجود التلاوة سنة مؤكدة ، وليس بواجب ، سواء قيل إنه صلاة ، أو إنه عبادة مستقلة ، وإنما هو مشروع في حق القارئ والمستمع دون السامع .
والجمهور ( 1 ) على أن سجود التلاوة سنة مؤكدة ، وذهب أبو حنيفة ( 2 ) إلى أنه واجب وليس بفرض ، وقد ثبت أن عمر - رضي الله عنه - قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة النحل ، حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس ، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها ، حتى إذا جاء السجدة قال : يا أيها الناس ، إنا نمرّ بالسجود ، فمن سجد فقد أصاب ، ومن لم يسجد فلا إثم عليه . وفي لفظ : إن الله لم يفرض علينا السجود ، إلا أن نشاء رواه البخاري ( 3 ) .
وفي الصحيحين عن زيد بن ثابت قال : « قرأت على النبي - صلى الله عليه وسلم - النجم فلم يسجد فيها » متفق عليه ( 4 ) فعلى هذا يكون سجود التلاوة مستحبًّا ومؤكدًا ، فمن سجد فله أجره ، ومن لم يسجد فلا إثم عليه .
==========
( 1 ) بداية المجتهد 1 / 227، روضة الطالبين 1 / 319، الإقناع 1 / 154 .
( 2 ) تحفة الفقهاء 1 / 235، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية، الاختيارات / 60 .
( 3 ) برقم (1077) .
( 4 ) البخاري (1073) ومسلم (577) .
________________________________________
« الطّهارة واستقبال للقبلة لسجود التّلاوة »
س 2 : هل يشترط لسجود التلاوة طهارة واستقبال للقبلة ؟
ج 2 : المشهور عن الإمام أحمد ( 1 ) أن سجود التلاوة صلاة ، فيشترط له ما يشترط للصلاة : من الطهارة ، وستر العورة ، واستقبال القبلة ، والتكبير للخفض والرفع ، والسلام ، على خلاف في بعض ذلك ، إلا أنهم أجازوا - أو بعضهم - التيمم ، إذا قرأ آية سجدة أو سمعها وهو محدث .
وذهب بعض المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية ( 2 ) إلى أن سجود التلاوة وسجود الشكر ليس بصلاة ؛ لأن أقل ما يسمى صلاة ركعة كاملة كما في الوتر ، فلا يسمى الجزء منها صلاة ؛ ولأن هذا السجود يحدث صدفة ويشق على الإنسان أن يكون دائمًا على وضوء ، وهذا القول أوجَه ؛ وعليه فيجوز للمحْدث السجود ، ويجوز لأهل الحلقة الكثيرين السجود ولو كان بعضهم مستدبر القبلة ؛ لمشقة انحرافهم جميعًا إلى جهة القبلة .
========
( 1 ) الإقناع 1 / 155 .
( 2 ) الاختيارات / 60 .
________________________________________
« الأدعية الخاصة بسجود التّلاوة »
س 3 : ما الدعاء الذي يقال في سجود التلاوة داخل الصلاة وخارجها ، وهل يجوز الاقتصار على الدعاء دون قول سبحان ربي الأعلى ؟
ج 3 : ورد من الأدعية الخاصة بسجود التلاوة أو العامة لسجود التلاوة وسجود الصلاة أحاديث كثيرة منها : ما رواه أبو داود ( 1 ) وغيره ( 2 ) أنه يقول : اللهم إني لك سجدت ، وبك آمنت ، ولك أسلمت ، وعليك توكلت ، سجد وجهي لله الذي خلقه وصوره ، وشق سمعه وبصره ، بحوله وقوته ، تبارك الله أحسن الخالقين ، اللهم اكتب لي بها أجرًا ، وضع عني بها وزرًا ، واجعلها لي عندك ذخرًا ، اللهم تقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود ، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام . ذكر هذه الأدعية ابن القيم في زاد المعاد ( 3 ) وغيره .
ويتأكد أن يبدأ سجوده بقول ( سبحان ربي الأعلى ) مرة على الأقل ؛ لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - : « اجعلوها في سجودكم » ( 4 ) وله أن يزيد على ذلك بما يناسبه .
======
( 1 ) برقم (1414) .
( 2 ) الترمذي (579، 580) .
( 3 ) 1 / 362 .
( 4 ) أبو داود (869) وابن ماجه (887) .
________________________________________
« سجدة سورة ( ص ) »
س 4 : هل يسجد عند سجدة ( ص ) ؟
ج 4 : المشهور أنها ليست من السجدات المسنونة ، وقد روى أبو داود ( 1 ) عن ابن عباس قال : « ليس ( ص ) من عزائم السجود ، وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسجد فيها » .
وروى أيضًا ( 2 ) عن أبي سعيد قال : « قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر ، فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه ، فلما كان يوم آخر قرأها ، فلما بلغ السجدة تَشَزَّنَ ( 3 ) الناس للسجود ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما هي توبة نبي ، ولكن رأيتكم تَشَزَّنْتُم للسجود فنزل فسجد وسجدوا » .
وروى النسائي ( 4 ) عن ابن عباس : « أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد في ( ص ) وقال : سجدها داود توبةً ، ونحن نسجدها شكرًا » .
واستدل بعض الصحابة على شرعية السجود فيها بقول الله - تعالى - : ﴿ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ﴾ [ سورة الأنعام ، الآية : 90 ] أي : ما فيها من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقتدي بالأنبياء المذكورين في الآيات السابقة ومنهم داود ؛ فعلى هذا تكون سجدة شكر ، والمختار سجودها خارج الصلاة .
=====
( 1 ) برقم (1409) .
( 2 ) برقم (1410) .
( 3 ) التَّشَزُّن : التأهب والتهيؤ للشيء والاستعداد له . النهاية 2 / 471 .
( 4 ) برقم (958) .
________________________________________
« سجود التلاوة لكل من يستمع القراءة »
س5 : هل يلزم سجود التلاوة لكل من يستمع القراءة ؟
ج5 : سجود التلاوة سنة وفضيلة ، وليس بواجب ؛ فقد روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه ذَكَرَ أنهم يمرون بآية السجود ، فمن شاء سجد ، ومن شاء ترك ، وأخبر بأنه لم يُكتب علينا أي : لم يكن واجبًا ( 1 ) .
وقد ذكر العلماء أنه يشرع السجود للقارئ والمستمع دون السامع ، والفرق فيها أن المستمع هو الذي ينصت لسماع القراءة ، ويتابع القارئ ، ويتأمل ويتعقل ما يستمعه من هذه القراءة ، فإذا سجد القارئ سجد معه المستمع ، وإن لم يسجد القارئ لم يسجد المستمع ؛ حيث إنه بمنزلة المأموم .
وأما السامع فهو الذي يسمع القراءة من بعيد ، ولم يكن متابعًا للقارئ ولا منصتًا لقراءته ، فهذا لا يشرع له السجود ، وإن سجد فلا بأس بذلك ، سيما إذا جمع آية السجدة ورأى القارئ سجد بعدها ، حتى ولو كان ماشيًا أو مشتغلا بغير الاستماع .
=====
( 1 ) البخاري (1077) .
________________________________________
« السجود عبادة مستقلة »
س 6 : إذا كان الشخص يكرر سورة للحفظ فيها سجدة فهل يسجد عند كل قراءة ؟
ج 6 : يشرع له ذلك فإن السجود عبادة مستقلة ، وقربة وطاعة ، وهو أفضل أفعال الصلاة ؛ ولهذا يتقرب به مستقلا كسجود التلاوة وسجود الشكر ، ومع ذلك فإنه مستحب لا واجب ، فإن شق على القارئ تكرار السجود اكتفى بسجدة واحدة ، سواء في المرة الأولى أو فيما بعدها ، وهكذا لو سجد مرتين أي : في أول القراءة وفي آخرها ، فليس لذلك حد محدود
________________________________________
« السجود للتلاوة في وقت النهي »
س 7 : هل يسجد للتلاوة في وقت النهي ؟
ج 7 : اختلف في سجود التلاوة : هل هو صلاة أو ليس بصلاة ؟ ولعل المختار أنه ليس بصلاة كما رجح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ( 1 ) فعلى هذا لا مانع من السجود وقت النهي ، حيث إن النهي إنما ورد عن مسمى الصلاة ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس » ( 2 ) فإن مسمى الصلاة إنما يقع على ما فيه القيام والقعود والركوع والسجود ، فلا تسمى السجدة الواحدة صلاة كسجدة الشكر وسجود التلاوة .
أما على القول بأنه صلاة كما اختاره كثير من الفقهاء ، وذكر ذلك ابن قدامة كما في المقنع ( 3 ) وفي مختصره ( 4 ) وشروحه( 5 ) فإن بعض العلماء منعوا من السجود وقت النهي مخافة التشبه بالنصارى الذين يسجدون للشمس عند طلوعها وعند غروبها ، فمنع من الصلاة في هذه الأوقات ؛ مخافة اعتقاد أن السجود لأجل الشمس ، وأجاز آخرون سجود التلاوة وقت النهي ولو كان عندهم صلاة ، وجعلوه من ذوات الأسباب ، كركعتي الطواف وتحية المسجد وإعادة الصلاة .
ولعل الصواب أنه يجوز في الوقت الموسع دون المضيق ، وهو عندما تنتصف الشمس للغروب وعند طلوعها حتى ترتفع قيد رمح .
======
( 1 ) الاختيارات / 60 .
( 2 ) متفق عليه ، البخاري (586) ومسلم (827) .
( 3 ) 1 / 206 .
( 4 ) زاد المستقنع مطبوع مع الروض المربع / 93 .
( 5 ) الشرح الكبير 1 / 209 ، الإنصاف 1 / 209 ، المبدع 2 / 27 .
________________________________________
« التكبير لسجود التلاوة »
س 8 : هل لسجود التلاوة تكبير عند السجود والرفع في الصلاة وخارجها ؟
ج 8 : ذهب كثير من العلماء إلى أن سجود التلاوة صلاة فاشترطوا له : الطهارة ، وستر العورة ، واستقبال القبلة ، وعدم السجود في وقت نهي ، وألزموا فيه بالتكبير عند السجود وعند الرفع ، وبالتسليم بعد ذلك كما في الصلاة .
ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية ( 1 ) أنه ليس بصلاة ، وإنما هو عبادة مطلقة ؛ لأن أقل ما يسمى صلاة الركعة التامة كركعة الوتر ، فعلى هذا القول : لا تشترط له شروط الصلاة ، ويصح في وقت النهي ، ولا يحتاج إلى تكبير ولا إلى تسليم ، وما ورد في ذلك من التكبير محمول على الاستحباب ، أو لأجل الاقتداء لمن سمع القارئ يقرأ أو يسجد ، أو كان السجود في الصلاة الجهرية ، لما ثبت : « أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر في كل خفض ورفع » ( 2 ) فيدخل في ذلك الخفض والرفع لسجود التلاوة .
وذهب كثير من المشايخ إلى الاكتفاء في الرفع من الإمام بقراءة الآية التي بعد آية السجدة ، والمختار: التكبير في هذه الحالة عملا بعموم الحديث .
« السلام لسجود التلاوة »
س 9 : هل لسجود التلاوة سلام ؟
ج 9 : إذا قيل إن سجود التلاوة ليس صلاة ، وسجد القارئ وحده فلا حاجة إلى التسليم ، كما لا حاجة إلى التكبير اللذين يختصان ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم » ( 3 ) وعلى القول الثاني : وهو أن سجود التلاوة صلاة ، فإنه يسلم بعده بدون تشهد .
« ترك الإمام لسجود التلاوة »
س 10 : إذا نسي الإمام سجود التلاوة في الصلاة هل يذكِّره المأموم ؟
ج 10 : أرى أنه لا يذكِّره ، بل يستمر الإمام في القراءة حتى يركع ؛ وذلك لأنه قد يتركه متعمدًا لاعتقاده سنيته والسنن يجوز تركها ، والمأموم لا يدري هل تركه عمدًا أو نسيانًا ؟ والتذكير يحتاج إلى تسبيح مما يشوش على الإمام والمأمومين ، وفيه قطع القراءة من الإمام أو احتياج المأموم إلى قراءة آية السجدة ، مع أنه مأمور بالإنصات ، فلا حاجة إلى التذكير في هذه الحالة .
======
( 1 ) الاختيارات / 60 .
( 2 ) البخاري (789) .
( 3 ) أبو داود (618) والترمذي (3) وابن ماجه (275) .
________________________________________
« السجود في موضع السجدة »
س 11 : هل على المصلي شيء إذا سجد قبل موضع السجدة أو بعدها ؟
ج 11 : مواضع السجدات موضحة في المصاحف ، بجعل علامة ظاهرة عند تمام الآية ومكان السجود ، مع وجود خلاف بين العلماء في بعضها ، كما في سورة النمل وسورة فصلت ، فلو سجد في سورة النمل أو سورة فصلت بعد الآية الأولى أجزأه ذلك ، وإن كان المختار : سجوده بعد الآية الثانية لتعلقهما بالأولى ، آما بقية السور فإنه يسجد بعد تمام الآية التي فيها ذكر السجود ، إلا في الإسراء ، فإن السجود بعد الآية الثالثة على القول المختار ، ولا يجوز مجاوزة آية السجدة ، لكن إن نسي وتجاوزها لم يسقط السجود .
« السجدة في الصلاة السرية »
س 12 : إذا كان الإمام في صلاة سرية وقرأ سورة فيها سجدة فهل يسجد ؟
ج 12 : لا يسجد في هذه الحال فإنه يشوش على المأمومين لعدم معرفتهم بالسبب ، ففي هذه الحال يسقط عنه سجود التلاوة لعدم وجوبه ، واستحب كثيرٌ من العلماء عدم قراءة آية سجدة في الصلاة السرية ؛ لما في هذه الحال من ترك سجود مستحب لكل من قرأ تلك الآية .
« لو سمع المصلي قراءة غيره للسجدة »
س 13 : ما حكم لو سمع المصلي قراءة غيره للسجدة ؟
ج 13 : المصلي يقبل على صلاته إذا كان منفردًا سواء في فريضة أو في تطوع ، وإذا أقبل على صلاته لم يكن له الإنصات إلى قراءة غيره ، وعلى هذا لو سجد القارئ الذي حوله لم يشرع له السجود ؛ لأنه بذلك يدخل في صلاته ما ليس منها ، وإنما يشرع له السجود إذا كان هو الذي قرأ في صلاته آية سجدة ، فإنه يسجد فيها ، وهكذا إذا كان خلف الإمام وسجد الإمام ، فإن المأمومين يتابعونه في سجود التلاوة .
________________________________________
« حكم سجود التلاوة للمأموم إذا سجد إمامه »
س 17 : ما حكم سجود التلاوة للمأموم إذا سجد إمامه ؟
ج 17 : يلزم المأمومين متابعة الإمام في حركاته وتنقلاته المأمور بها في الصلاة ، فمتى قرأ آية سجدة في الصلاة الجهرية استحب له أن يسجد بعدها ، ويلزم المأمومين متابعته في هذا السجود ؛ لأنهم يستمعون لقراءته ، وأما في الصلاة السرية فيكره له أن يقرأ فيها آية سجدة فإنه إن سجد فيها شوش على المأمومين وظنوا أنه قد سها في صلاته فيسبحون له ويحصل تشويش واضطراب في الصلاة ، وإن ترك السجود ترك سنة مؤكدة فعلى هذا إذا قرأ آية سجدة في الصلاة السرية فلا يسجد لما في ذلك من إحداث ارتباك واختلاف على المأمومين فلذلك يستحب له إذا قرأها أن لا يسجد أو أن يترك قراءة آية السجدة فيقرأ ما قبلها وما بعدها ويترك قراءتها حتى يخرج من صلاة الجماعة ، وهكذا يقال في حق المأموم إذا قرأ في الصلاة السرية ومرت به آية سجدة أن يتجاوزها .
« سجد الإمام للتلاوة وظن المأموم أن تكبيره كان للركوع »
س 18 : إذا سجد الإمام للتلاوة وظن المأموم أن تكبيره كان للركوع ولم ينتبه إلا بعد رفع الإمام، فماذا يجب عليه ؟
ج 18 : في هذه الحال إذا قام الإمام من سجود التلاوة وفات المأموم هذا السجود فإنه يرفع من ركوعه ويتابع الإمام في بقية صلاته ولا سجود عليه فإن المأموم إذا سها تحمل الإمام سهوه ولم يلزمه أن يسجد له ومثل ذلك لو قرأ الإمام آية فيها ذكر السجود فركع بعدها وظنه المأمومون ساجدًا للتلاوة فسجدوا و لم ينتبهوا إلا بعد رفعه وقوله : سمع الله لمن حمده ، فإنهم في هذه الحال يرفعون ويركعون ثم يدركون الإمام في رفعه ويتابعونه في بقية الصلاة ولا سهو عليهم بل يتحمله الإمام لكن من فاته الركوع ووقف مع الإمام ولم يركع فلا بد من قضاء تلك الركعة .
« العاجز عن سجود التلاوة »
س 19 : العاجز عن سجود التلاوة هل يجوز له أن يومئ ؟
ج 19 : يجوز له ذلك سواء كان العجز لمرض لا يقدر معه أن يسجد على الأرض ، أو لشلل ، أو إعاقة ، وكذا يومئ بالسجود إذا كان راكبًا على ظهر دابة ، أو يقود سيارته ولا يقدر على السجود الكامل ؛ لقول الله - تعالى - : ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [ سورة التغابن ، الآية : 16 ] وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم » ( 1 ) أما إن كان راكبا في سفينة أو باخرة أو قطار أو حافلة واسعة أو طائرة ، ووجد متسعًا ، فإنه يسجد على الأعضاء السبعة .
=====
( 1 ) متفق عليه، البخاري (7288) ومسلم (1337) .
________________________________________
« سجود التلاوة في الفصول الدراسية »
س 20 : في الفصول الدراسية هل يسجد للتلاوة ؟
ج 20 : يجوز ذلك ؛ فإن سجود التلاوة عبادة وقربة فيتأكد فعله عند وجود سببه وهو مستحب للقارئ والمستمع ، والصحيح أنه لا يعطى حكم الصلاة فإذا كان الطلاب في الفصل الدراسي وقرءوا آية سجدة ، أو قرأها المعلم وهم يستمعون ، استحب لهم جميعًا السجود ولو كانوا غير مستقبلي القبلة ، ولو كانوا على غير طهارة ، ولهم أن يسجدوا على الأرض إن أمكن ذلك ، وإلا سجدوا على الكراسي أو الطاولات ، وكذا يجوز سجودهم بالإيماء ، أو يسجد بعضهم عند الزحام على ظهر أخيه .
« سجود الحائض للتلاوة »
س 21 : هل تسجد الحائض للتلاوة ؟
ج 21 : لا يجوز للحائض قراءة القرآن ولا مسّ المصحف إلا عند الضرورة : كخوف نسيان ، أو قراءة في الفصل الدراسي ، لكن متى كانت تستمع للقارئ وسجد القارئ رجلًا كان أو امرأةً جاز لها أن تسجد على القول الصحيح أن سجود التلاوة ليس صلاة ، وإنما هو عبادة مستقلة لا تلزم له شروط الصلاة كالطهارة وستر العورة واستقبال القبلة ، فلها - والحال هذه - أن تسجد تبعًا لقارئ القرآن إذا سجد .
« سجود المرأة للتلاوة بدون خمار »
س 22 : هل يكون سجود المرأة للتلاوة بدون خمار ؟
ج 22 : يجوز ذلك إذا قلنا إن سجود التلاوة ليس بصلاة ، وإنما هو عبادة مستقلة ، فلا تشترط له شروط الصلاة ، كستر العورة واستقبال القبلة ، بخلاف ما إذا قيل إن سجود التلاوة صلاة فقد جاء في الحديث : « لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار » ( 1 ) فعلى هذا تسجد المرأة للتلاوة ولو بدر بعض جسدها ؛ حيث أنه لا يشترط له ما يشترط للصلاة .
=====
( 1 ) أبو داود (641) والترمذي (377) وابن ماجه (655) .
________________________________________
« إذا سمع الرجل قراءة امرأة فيها سجدة »
س 14 : ما الحكم إذا سمع الرجل قراءة امرأة فيها سجدة ؟
ج 14 : يشرع سجود المستمع إذا سجد القارئ، سواء كان القارئ رجلا أو امرأة ، ولا يشرع لكل سامع ، والمستمع هو الذي ينصت للقراءة ويتابع الآيات التي يقرأها القارئ ليستفيد من هذا الاستماع والإنصات ؛ ولقوله - تعالى - : ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا ﴾ [ سورة الأعراف ، الآية : 204 ] فأما السامع فهو العابر إذا مرَّ بالقارئ وسمع منه آية أو آيات دون أن ينصت لقراءته ، فمثل هذا لا يشرع له السجود ، ولو سجد القارئ لعدم متابعته للقارئ ، ثم إنه لا يشرع للرجال استماع قراءة المرأة إذا كانت تخضع بالقول وترقق صوتها ؛ مخافة الفتنة بسماع الصوت الرخيم ، لكن إن كانت من محارمه وقرأت بصوت معتاد وكانت قراءتها أحسن من غيرها ، جاز استماع محارمها ، وجاز لهم السجود بعدها إذا سجدت للتلاوة .
« المرور بين يدي ساجد التلاوة »
س 15 : ما حكم المرور بين يدي ساجد التلاوة ؟
ج 15 : معلوم أن النهي عن المرور بين يدي المصلي يختص بما إذا مرّ بينه وبين موضع سجوده ، وأن سبب النهي ما يحصل من التشويش على المصلي وانشغال قلبه وعدم إقباله على صلاته ، وليس كذلك سجود التلاوة حيث لا يمكن المرور بينه وبين موضع سجوده ؛ لأنه قد وضع جبهته على موضع السجود ولا يحصل منه انشغال القلب لمن مرّ أمامه ؛ لكونه لا يراه حالة السجود ، فعلى هذا لا مانع من المرور أمام ساجد التلاوة إذا لم يكن في صلاة مكتوبة أو مسنونة .
« التكبير في الرفع والخفض مع الإمام إذا سجد للتلاوة »
س 16 : هل يلزم المأموم تكبير في الرفع والخفض مع الإمام إذا سجد للتلاوة ؟
ج 16 : المأموم يتابع إمامه في حركاته وأفعاله وأقواله إلا ما استثني فمن ذلك تكبيرات التنقل ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « إنما جعل الإمام ليؤتمّ به ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا قال : سمع الله لمن حمده ، فقولوا : ربنا ولك الحمد ، وإذا سجد فاسجدوا ، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون » ( 1 ) .
والخطاب للمأمومين فقد أمرهم أن يكبروا بعد كل انتقال كما يكبر الإمام ، وأما التسميع فلا يقوله المأمومون ، بل يقولون : ربنا ولك الحمد ؛ وذلك لأن التكبير تعظيم لله وإجلال له ، وأما التسميع فإنما هو إخبار للمأمومين بأن الله يسمع ، أي : يستجيب لمن حمده ، فعليهم أن يحمدوا الله بعد الرفع .
ثم إن التكبيرات واجبة على الإمام والمأموم لكن إذا تركها الإمام أو بعضها سهوًا فعليه السجود للسهو ، وأما المأموم فلا سجود عليه إن تركها سهوًا بل يتحملها الإمام كما في سائر الواجبات ، وأما في سجود التلاوة فإن الإمام يكبر إذا هوى للسجود فيكبر معه المأمومون ويكبر على الصحيح إذا رفع من سجود التلاوة فيكبر أيضًا المأمومون ويرفعون ، وهناك قول بأن الإمام في الرفع يقتصر على قراءة الآية التي تلي السجدة ويرفع بها صوته فيقوم مَن خلفه بلا تكبير ، ولكن الأولى التكبير لما في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكبِّر في كل خفض ورفع ( 2 ) .
=======
( 1 ) البخاري (734) ومسلم (414) .
( 2 ) البخاري (789)
________________________________________
جزى الله خيراً سماحة الشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين وحفظه ونفعنا بعلمه ، آمين