نرى كثيرا من أنظمة الحكم الان تتفاخر بأنها ديقراطية سواء بالحقيقة أو الإدعاء .... فهل سألنا أنفسنا عن أول ديمقراطية حقيقية في التاريخ تضع أسس المشاركة الشعبية في الحكم ... و تعطي الشعب حق مراقبة الحاكم ... و حق عقابه و تقويمة بل حتي عزله من منصبة
تخيلوا يا سادة من صاحب أول ديمقراطية في التاريخ ؟؟؟
أولا
... يجب أن نتفق علي أن النبي محمد بن عبد الله صلي الله عليه و سلم ...هو
شخصية فريدة إستثنائية لا يقاس عليها فهو كان مدعوما من ربه بالوحي و ما
كان ينطق عن الهوي و برغم ذلك كان يستشير الصحابة و أهل الخبرة في تسيير
أمور المسلمين الحياتية و كان ينزل علي رأيهم و يقر إجماعهم و هناك الكثير
من الأدلة علي ذلك ليس مجال الحديث عنها الآن و قد نعود لها مرة أخري إن شاء
الله .... المهم هنا أن الرسول الكريم صلي الله عليه و سلم كان يحكم بأمر
ربه تعالي و هنا يجب أن نلاحظ ملاحظة هامة و هي أن الرسول صلي الله عليه و
سلم عندما إستشعر الموت لم يعين خليفة له .... هل سألنا أنفسنا ......
لماذا لم يعين خليفة له؟؟؟
الإجابة
ببساطة أنه لو فعل لصار هذا تقليدا فكل حاكم سوف يقتدي بما فعل النبي صلي
الله عليه و سلم و يعين خليفة له في حياته .... و في هذا إجبار للمسلمين
علي قبول التعيين ... و لكن النبي و كما قلنا الذي لا ينطق عن الهوي لم
يعين خليفة له تاركا الأمر للمسلمين ليختاروا حاكمهم بأنفسهم ليضع بذلك أول
أسس الدولة الديمقراطية بتأصيل حق الشعب في إختيار الحاكم
و
بعد و فاة النبي صلي الله عليه و سلم إجتمع المسلمون و لن نسهب الان في
طريقة الإختيار و لكن و للإختصار نقول النتيجة أنه تم إختيار الخليفة و هو
أبو بكر الصديق رضي الله عنه لأسباب الكل يعرفها لفضل هذا الرجل
ماذا فعل أبو بكر عند إختياره أو إنتخابه؟
كان
أبو بكر رضي الله عنه يعلم أنه مختلف فهو ليس كالنبي صلي الله عليه و سلم
معصوما و مدعوما بالوحي و لكنه شخص عادي يخطئ و يصيب و لذلك أقر أول نظام
حكم ديمقراطي فيه المشاركة الشعبية في التاريخ و كما يفعل الزعماء الآن
بإلقاء برامج إنتخابية فهو كذلك وضع برنامج إنتخابي أقر فيه أسس العلاقة
بين الحاكم و المحكوم و حدودها بشكل لم تصل له ديمقراطية في العصر الحديث
حتي الان
ماذا قال أبو بكر عند إختياره؟
لقد و ليت عليكم و لست بخيركم
فإن أحسنت فأعينوني
و إن أسأت فقوموني
أطيعوني ما أطعت الله فيكم
فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم
و أعلموا أن القوي فيكم عندي ضعيف حتي آخذ الحق منه إن شاء الله
و الضعيف فيكم عندي قوي حتي آخذ الحق له إن شاء الله
ما رأيكم بهذه الكلمات الجامعة الشاملة التي و رغم قله حروفها عددا فهي تشمل تأصيل ما يسمي بالدستور و لنحلل ما قال رضوان الله عليه
لقد و ليت عليكم و لست بخيركم
و
هنا يحدد من يحق له الولاية أو الحكم فهو يقرر أنه ليس بالضرورة أن يكون
أفضل الموجودين أو خيرهم ...و لكن أقدر الموجودين علي تحمل المسئولية ...
كما أقر أن ولاية الحكم لا تطلب من الحاكم فلم يقل لقد توليت أمركم بل قال
لقد وليت عليكم ... بمعني أن ولاية الحكم تسند من الشعب للحاكم .... و لا
يطلبها الحاكم و يسعي إليها بكافة السبل بل الشعب هو الذي يسندها لمن يرغب
... و لم يرتكن ... رضي الله عنه ....علي أنه كان أقرب الناس للرسول الكريم
صلي الله عليه و سلم و كلنا يعلم فضل أبو بكر و لكنه بدأ بأنه يقر أنه ليس
خير الموجودين
فإن أحسنت فأعينوني
و إن أسأت فقوموني
و
هنا يحدد شروط الحكم و هو الإحسان و الإخلاص في العمل واضعا أول عقد
ديمقراطي بين الحاكم و المحكوم فهو يطلب المساعدة و المعونة من شعبه و هي
حقه عندما يكون محسنا و في ذات الوقت يعطيهم حق مراقبته و محاسبته و تقويمة
عند الإساءة مقرا أول نظام رقابي شعبي للحاكم عرفه التاريخ
أطيعوني ما أطعت الله فيكم
فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم
و
هنا يحدد نظام التعاون بين الحاكم و المحكوم مرجعا أي خلاف قد ينشأ بينهما
للدستور الذي إرتضاه الجميع و هو كلام الله و أوامره فهو يطلب العون و
الطاعة من الشعب عندما يطيع الله و يقر للشعب حق عدم الطاعة و العصيان
عندما يعصي الله و هنا و بإسقاطه حق الحاكم في أن يطيعة شعبه لو خالف أمر
الله و عصاه أقول يقر حق العصيان المدني للشعب بالمفهوم الحديث ... معتبرا
أن العصيان المدني وسيلة من وسائل الشعب لتقويم الحاكم و الضغط عليه لإصلاح
سلوكه
و أعلموا أن القوي فيكم عندي ضعيف حتي آخذ الحق منه إن شاء الله
و الضعيف فيكم عندي قوي حتي آخذ الحق له إن شاء الله
و
هنا يقر سلطة القانون و أن المواطنين أمام القانون سواء فلا فرق بين قوي و
ضعيف إلا بالحق فمن له حق يقويه القانون و إن كان ضعيفا حتي يأخذ حقة و من
عليه الحق يضعفه القانون حتي و إن كان قويا حتي يأخذ الحق منه للضعيف...و
الحاكم يمثل سلطة القانون و يعمل علي تطبيقه و إحترامه ... و هنا يجب أن
نلاحظ أنه أقر أيضا بعدم أبدية العقوبة بالمصطلح القانوني الحديث بل ربط
تقوية القانون للفرد و مساندته أو إضعاف القانون للفرد بعودة الحق لصاحبه
بعد ذلك ينتهي الأمر.... فمن الممكن أن يكون نفس الشخص جانيا في حالة ما
عليه حق و من الممكن أيضا أن يكون في نفس الوقت مجنيا عليه في موضوع آخر له
فيه حق ... فيتم التعامل مع كل حالة علي حدة حتي تستقر الحقوق لأصحابها
الأصليين و يعود كل منهم لمركزة القانوني الأصلي
و
هنا أحب أن أقول أن أبو بكر رضي الله عنه لم يجعل لدرجة إيمان الفرد أو
عقيدته دور في موضوع الحقوق فلم يقل المؤمن أو المسلم .... أو غير المؤمن و
غير المسلم و إنما إستخدم مصطلح القوي ... الضعيف ... الحق... و هنا و
كأنه يرد علي المتخوفين من الشريعة علي غير المسلمين ... فالشريعة
الإسلامية عندما تفصل و تحكم في حقوق الناس أو الرعية يكون معيارها الأساسي
.... الحق ... و الحق فقط .... دون النظر للقوة أو الضعف أو العقيدة أو
الإنتماء .... و التاريخ الإسلامي يشهد العديد من الحالات التي أدان فيها
القضاء الإسلامي مسلمين لصالح غير المسلمين دون مجاملة أو محاباة ....
فالحق ... و الحق فقط ...هو الفيصل في الحكم
هل توجد ديمقراطية في عصرنا الحديث تراعي هذه الأصول؟