التخلّف العقلي حالة غير سويَّة من النموّ العقلي والاجتماعي، يقلّ فيها ذكاء الشخص المتخلّف عن المتوسط، وبالتالي يقلُّ أداؤه للوظائف الاجتماعية عن الأسوياء في مثل سنه ومجموعته الثقافية.
لا نستطيع اكتشاف العديد من الحالات الخفيفة للمتخلّفين إلا عند دخولهم المدرسة عندما يواجهون صعوبات في التعلّم. ومن ناحية أخرى نكتشف شديدي التخلّف مبكرًا، لأنهم يُظهرون بطئًا في الوقوف والمشي أو الكلام أو بسبب الإعاقة الجسدية.
كان الأطباء في الماضي ينصحون الآباء بوضع أطفالهم المتخلّفين في مؤسسات الإيواء. غير أن الخبراء يرون اليوم ضرورة دمج الأطفال خفيفي التخلف في المجتمع، وعزل الأطفال شديدي التخلف في أماكن خاصة بهم.
تحتاج رعاية المتخلّفين في المنزل صبرًا وفهمًا كبيرين. وللتكيُّف مع هذه الحقيقة، يواجه العديد من الآباء صعوبة في التأقلُم معها. ويساعد المتخصصون الآباء في تقبُّل الأمر وفي مساعدة أبنائهم.
درجات التخلّف العقلي. تُقاس القدرات العقلية بوساطة نسبة الذكاء، وهي الدرجة التي يحرزها الشخص عند اختبار الذكاء. انظر:نسبة الذكاء. يُسجِّل متوسطو الذكاء على مقياس الذكاء درجات تبدأ من 90 إلى 109. ومعدل الذكاء الأقل من 70 يمثل واحدًا من أربع درجات للتخلّف العقلي: 1ـ الخفيف 2ـ المتوسط 3ـ الشديد 4ـ العميق.
خفيفو التخلّف. يتراوح معدّل ذكائهم بين 50 و70، وهم يمثّلون غالبية المعوقين عقليًا. ويلحق بعضهم بمدارس خاصة والبعض يلتحق بالمدارس العادية. يصل المتخلف في سن 13-19 إلى مستوى يساعده على أداء الأعمال المدرسية البسيطة. ويستطيع العديد من المتخلفين الاعتماد على أنفسهم بصفتهم عاملين غير مهرة أو شبه مهرة.
متوسطو التخلّف. يتراوح معدل ذكائهم بين 35 و 50 ويحرزون تقدمًا ضعيفًا في أمور مثل القراءة والكتابة والحساب، وبعضهم يفشل في إحراز أي تقدم، وأغلبهم يحتاج مدارس خاصة. وهم يستطيعون تعلم العناية بأنفسهم وأداء أعمال نافعة في المنزل أو في ورش العمل الآمنة.
شديدو التخلّف. يتراوح معدل ذكائهم بين 20 و 35. وهم يحتاجون تمرينًا لغويًا وتدريبًا على النظافة الشخصية وأساليب التعامل مع الآخرين، ورعاية طوال حياتهم.
عميقو التخلّف. معدل ذكائهم أقل من 20، ولا يزيد ذكاؤهم على ذكاء الطفل الرضيع وأغلبهم يحتاج رعاية تامة للبقاء، وقد يتعلّمون المشي والتعرُّف على الوجوه المألوفة.
أسباب التخلّف العقلي. يحدث التخلّف العقلي بفعل عوامل كثيرة مختلفة. والنمو الطبيعي للكائن البشري معقد التركيب بحيث يؤدي تدخل أي عنصر خارجي فيه إلى التخلّف.
أسباب متعددة. يصبح العديد من المتخلّفين عقليًا معاقين بفعل تشابك عدّة عوامل وليس بسبب عامل واحد منها. وعلى سبيل المثال يُلاحظ أن الكثيرين من خفيفي التخلّف يأتون من عائلات فقيرة (متدنية الدخل)، ينتشر المرض بين أفرادها، قليلة الحظ من التعليم، سيئة التغذية، بالإضافة إلى سلبيات أخرى.
لا يوفر بعض الآباء تعليمًا مناسبًا لأبنائهم، إما لانشغالهم أو لعدم حماسهم لذلك. وكذلك فإن العديد من الجينات تؤثر في الذكاء مما يورِّث الطفل تركيبة غير موفَّقة من الجينات.
أسباب فردية. قد يحدث التخلّف بفعل عامل واحد في عدد قليل من الحالات. ويكون السبب ذا تأثير قوي إلى حد إعاقة النمو الطبيعي، وقد يكون جينيًا مورّثًا أو بيئيًا.
وتضم الحالات الجينية التي تسبّب التخلّف، وجود صبغي زائد أو صبغي شاذ داخل الخلايا. والصبغيات هي تراكيب خلوية تحتوي على جينات تحكم الوراثة. ويسبب وجود صبغي زائد متلازمة داون. انظر:.متلازمة داون
تنطوي متلازمة الصبغي س الهش على شذوذ في الصبغي س، أحد الصبغيات المحددة للجنس. تؤثّر هذه الحالة في الذكور غالبًا. وقد يحدث التخلّف نادرًا بسبب غياب الصبغي الأساسي. ويحدث التخلّف أيضًا بتأثير جين سائد أو زوج من الجينات المتنحية التي تتداخل مع عملية النمو الطبيعي أو الأيض. وتسبب البَيْلَة الفِنيلية الكيِتوُنية حالة لا يتمكّن فيها الفرد من تحويل أحد الأحماض الأمينية إلى نوع آخر ذي صلة به بسبب وجود زوج من الجينات المتنحية. تسبب البَيْلَة الفِنيلية الكيتونية تدميرًا للدماغ إذا لم تنظم التغذية. انظر: الفنيلية الكيتونية البيلة
تحدث الأسباب البيئية للتخلّف العقلي قبل أو أثناء الولادة أو بعدها، ويصاب الطفل بالتخلّف إذا أصيبت الأم بالحصبة الألمانية أو الزهري أثناء الحمل.
يتأثر النمو العقلي للطفل أيضًا بعوامل أخرى متعلقة بصحة الأم أثناء شبابها أو خلال الحمل. وتشمل هذه العوامل تغذية الأم وعمرها وصحتها العامة ونوعية الأدوية التي استعملتها. وتؤدي بعض حالات الولادة إلى التخلّف وهذه تشمل الولادة المبكرة (الميسرة) وإصابات الولادة وفشل الوليد في بدء التنفس السليم.
يحدث التخلّف في فترة الطفولة بسبب التهاب الدماغ أو إصابات الرأس، أو بسبب حُمىَّ شديدة تستمر زمنًا طويلاً، أو ابتلاع مواد سامة مركِّزة أو استنشاقها في الهواء الملوّث.
الوقاية. يمكن منع كثير من أسباب التخلّف بالرعاية السليمة للأم قبل الحمل وأثناءه. والولادة الصحيحة ورعاية المولود الخَديج تساعد في تقليل حالات التخلّف أيضًا. ويمكن السيطرة على تدمير الدماغ الناتج من البَيْلَة الفنيلية الكيِتوُنية وعدة اضطرابات أخرى بعد الولادة بتغذية خاصة أو علاج دوائي.
قد يكتشف الأطباء بوساطة الاختبارات، الأزواج الذين لديهم الاستعداد لإنجاب أطفال لهم قابلية عالية للتدمير الجيني. يقرِّر العديد من مثل هؤلاء الأزواج عدم المخاطرة بإنجاب طفل مُعاق.
وتكشف اختبارات أخرى حالات جينية معينة قبل ميلاد الطفل. انظر: الاستشارة الكونية
ويعتبر مَنْع التخلّف الناتج لأسباب متعدّدة أكثر صعوبة. ويعتقد العديد من الخبراء أنه يمكن تقليل عدد هذه الحالات عن طريق تحسين الأحوال المعيشية والصحية والتعليم ومستوى دخل الفقراء.
العلاج. لا يمكن شفاء المتخلفين عقليًا، ولكن من الممكن في أغلب الحالات عمل الكثير لمساعدتهم على النمو الاجتماعي والعقلي. وتشمل طرق العلاج في بلاد عديدة أنواعًا من التعليم والتدريب الملائمين للمعاق. ولكل طفل معاق الحق الشرعي في التعلّم عندما يصل لسن المدرسة مهما كان تخلّفه العقلي. ويبدأ تدريب المعاقين منذ الطفولة في بعض الحالات. وقد يستمر حتى يصل الطفل إلى مرحلة النضج.
يوجَّه تعلم المتخلّف كلما كبُر على المهارات التي سيحتاجها عند النضج. ويصبح العديد من خفيفي التخلّف عاملين جيّدين ومواطنين صالحين. يمكن لخفيفي ومتوسطي وشديدي التخلّف الذين لم يلتحقوا بعمل، العمل في ورش مأمونة تعنى بتوظيف المعاقين. ويعيش مثل هؤلاء الرجال والنساء مع عائلاتهم أو في منازل المعاقين التي يوجد بها عاملون مؤهلون. أما عميقو التخلّف فيحتاجون رعاية تامة ومن الأفضل أن يعيشوا بشكل دائم في دور المعاقين ولا يطلب منهم القيام بأي عمل.