موناليزا.. اشهر لوحة فنية عرفها العالم في متحف اللوفر الباريسيتعتبر لوحة «موناليزا» اشهر الأعمال الفنية في العالم التي بزغت في ظلمة العصور الوسطى بلمسات سحرية اضفى عليها مبدعها ليوناردو دافنتشي غموضاً حير الفنانين بدء من اسمها حتى ابتسامتها. فمنذ ذلك العصر وحتى ايامنا الحالية ظهرت العديد من الآراء والطروحات حول ذلك الغموض الممزوج بفتنة ساحرة. فمنذ أيام عادت «موناليزا» أشهر لوحة فنية عرفها العالم الى حجرتها الخاصة على عرش متحف اللوفر الباريسي أثرى متاحف العالم بعد أربعة اعوام من العمل الدؤوب على صيانة حجرتها وترميمها باستخدام كل ما هو متاح من علم وتقنية لابراز فتنها التي تسحر الملايين من عشاق الفن.
عادت لوحة «موناليزا» الى حجرتها الخاصة بعد ان اعيد بناء وترميم قاعة «الدول» بالدور الأول في اللوفر -التي تبلغ مساحتها نحو ۸۴۰ مترا مربعا - وبتكلفة قدرت نحو ۵ ملايين يورو.
واشارت اخر التقديرات الى ان أكثر من ۹۰ في المائة من زوار متحف اللوفر العام الماضي والذين بلغ عددهم ۶،۶ مليون زائر سعوا الى المتحف خصيصا لينعموا بنظرة الموناليزا الفاتنة التي تبدو من كل ركن وكانها تخص كل من يشاهدها على حدة.
وتقول الاستاذة بأكاديمية الفنون الجميلة بروما البروفيسورة تشينتسيا نارديني محاولة تفسير هذه السطوة الخلابة ان لوحة عبقري عصر النهضة الفلورنسي ليوناردو دافنتشي الذي رسمها ما بين عامي ۱۵۰۳ و۱۵۰۶ صهرت عبقريته وشخصيته الفذة مع السحر الذي حمله عصر النهضة بضوء حثيث يقشع ظلامية العصور الوسطى بألوانها الشفافة في مزيج رائع يمثل روح الفن بذاته.
وتضيف ان الصورة مرسومة بالزيت على لوحة خشبية ترتفع ۶۶ سنتيمترا وعرضها ۳۳ سنتيمترا وتصور سيدة يحيط بهويتها الغموض وبين ثنايا بسمة خفية أراد الفنان أن يبوح برسالة فحواها الجمال. ومع كثرة التكهنات حول أصل تسمية اللوحة ب«موناليزا» او «جوكوندا» كما يحبذ الايطاليون، تعتقد نارديني بأن يكون سبب تسمية اللوحة بموناليزا التي أطلقها الرسام جورجو فازاري أهم مؤرخي فنون عصر النهضة يعود الى ان صاحبة البورتريه هي السيدة ليزا غيرارديني التي ولدت في فلورنسا عام ۱۴۶۹ كما أنه شاع في الأوساط الارستقراطية الفلورنسية تلقيب السيدات بلقب «مونا» المتأتي من «مادونا» وهي التسمية الايطالية للسيدة العذراء. وتضيف ان ليزا غيرارديني أو «موناليزا» تزوجت بتاجر الحرائر الثري وموردها لعائلة ميدتشي صاحبة السيادة في فلورنسا فرانشيسكو جوكوندو ومن ثم اكتسبت اسم عائلة زوجها لتصبح ليزا جوكوندو وقد جرت العادة في ذلك الحين أن ينادي أعلام الناس بألقاب أسرهم معرفة وتأنث هذه الألقاب للسيدات لتصبح «لا جوكوندا» وهي صفة تعني «مغتبطة».
وتضيف أن «موناليزا» أو «لاجوكوندا» التي لم تخب فتنتها عبر العصور كانت شخصية حقيقية تنتمي لطبقة نبلاء الريف الصغيرة وقد تغيرت حياتها بالكامل بعد زواجها لتنخرط في حياة الصخب والبذخ الاجتماعي والثقافي لبرجوازيي وأرستقراطية فلورنسا عاصمة الحضارة في تلك الحقبة محتفظة بغشاء من الحياء الريفي الذي توشحت به. وصور ليوناردو ببراعته المرهفة وجه «الجوكوندا» مواجها بينما يلتفت جذعها قليلا في وضع استندت بذراعها على مسند المقعد بينما ارتخت يدها اليمنى برقة على يدها الأخرى وقد جردها، على عكس ما كان متبعا في هذا العصر، من كل أشكال الحلي والمجوهرات التي كانت النساء يكثرن من ارتدائها فيما أحاط شعرها المنسدل بوشاح شفاف يتدلى فوق جبهتها بالكاد. ويتسم وجه «موناليزا» بغموض وسحر كثر الجدل حياله على مر السنين في مختلف المحافل، ويعتقد أنه يتأتى من ضوء داخلي حيث لا يلحظ شد في أي من عضلات الوجه المسترخية في دعة نادرة ويسقط هذا الضوء على وجهها وصدرها وذراعيها ويديها من أعلى على يمينها ليبقى الجزء الأسفل من اللوحة في الظل. ويتقاطع ضوء أفقي خافت على خلفية اللوحة التي تصور منظرا جبليا تتخلله جداول مياه وصخور وبحيرات وأشجار وزرع رسمت كموناليزا ذاته «وفق مفهوم فني ساد في عصر النهضة لتبدو فيه الأشياء في الوقت ذاته مضاهية للحقيقة ومخالفة لها معروفة وغامضة». وتقول المدرسة بأكاديمية الفنون أن هذه اللوحة وما لها شعبية لا مثيل لها بين عامة الجمهور فهي تمثل عملا فذا وفريدا من الناحية الفنية بين المختصين والدارسين مشيرة الى أن ذلك يعود الى تقنية ليوناردو الخاصة في التعامل مع الضوء والظل من بين عناصر الفن الثمانية التي حددها عبقري عصر النهضة في دراسته الخاصة بالتصوير.
وتشير الى أن ليوناردو جسم لوحته وعمقها بحيوية فريدة تنبع من الحساسية المرهفة غير الملموسة التي ينتقل بها من لون الى آخر مستخدما التلاشي والتذاوب كما ابتدع تقنية تلوين الظلال التي استخدمها فنانو التأثيرية الفرنسيين اكثر من ثلاثة قرون كما رسم الخلفية بمسحة زرقاء ضبابية تتحول الى اللون الوردي بتفاصيلها اذا نظرت من قرب.
وحول ما احاط هذا العمل الفني الوحيد، تقول نارديني ان الباحثين في أرجاء العالم شططوا لعصور لبحث شخصية صاحبة الصورة بابتسامتها الغامضة التي تبدو أحيانا حزينة أو حنونة ومشفقة أو حلوة بل وربما متهكمة ساخرة حيث تضاربت التحليلات والاستنتاجات بلا حدود. وتضيف لقد ذهب البعض الى الجزم ان موناليزا في الحقيقة هي صورة ذاتية للرسام الذي مازالت شخصيته وميوله مجال بحث وتمحيص لا نهاية له بل أن الشطط بلغ مداه عندما تكون تيار من مؤرخي الفن حسم بأن الصورة هي لرجل وأن الموديل «النموذج» هو أحد الفتيان، مستندين في ذلك على اتهام ليوناردو بالشذوذ، وهو امر ثبتت براءة الفنان منه. وتقول نارديني أن تكهنات بعض «كهنة الفن» المغاليين ذهبت لاعتبار أن جوكوندا هي صورة تخيلية حاول ليوناردو من خلالها تصوير «الوجه المثالي» للجمال وانه لا وجود لصاحبة الصورة «ليزا غيرارديني».
وفي اشارة الى اخر التكهنات التي بزرت حول هذه اللوحة تقدمت بها عالمة المانية اعربت عن اعتقادها بان صاحبة الصورة الحقيقية هي «كاترينا سفورتسا» دوقة مدينة فورلي استنادا على مقارنة لبورتريه رسمه فنان آخر للدوقة التي تكبر موناليزا عمرا.
ولم تستبعد نارديني ان يكون ليوناردو دافينشي قد ضمن لوحة الموناليزا بعض رموزه الخفية التي تشد شغف الفنانين والمختصين والجمهور بلا كلل. ويعتبر الايطاليون لوحة «لا جوكوندا» مفخرة قومية الى الحد الذي دفع باحد العاملين في اللوفر ويدعى فينتشينسو بيروجا وهو ايطالي الى سرقة اللوحة بهدوء مثير يوم ۲۲ أغسطس ۱۹۱۱ ليعيدها الى ايطاليا وبدلا من أن يحصل بيروجا على نيشان كان يتوقعه، فقد زج به في السجن لمدة عامين. ومع ذلك فقد احتفظت السلطات الايطالية باللوحة عامين لعرضها على الجمهور الايطالي الذي ما زال يحج بالآلاف وعشرات الآلاف كل عام الى اللوفر للنظر الى وجه موناليزا.
منقول للفائده