قد نقرأ نصاً أدبياً جمـيـلا لكننا لا نجني ثمرة في نهاية المطاف اللهم إلا إذا كانت الثمرة هي المتعة الفنية ذاتها،هذا ما يقوله أنصار الفن للفن لكن للفن وظيفة سامية تجعله أكبر و أهم من أن يكون أداة للمتعة بل هو أداة مهمة للإرتقاء بالحياة الإنسانية.
و الفن أداة خطيرة بيد الإنسان لأن الفن يـؤثـر في حياة الناس،و يستطيع توجيههم نحو الكمال.و الذين حباهم الله قدراً من المواهب الفنية يجب أن يدركوا إنهم حملة رسالة إنسانية نبـيـلة،إن أحسنوا استخدامها أثـيـبـوا و إن أساءوا استخدامها عوقبوا.و لا يعني الالتزام في الأدب هو أن نجعل فننا و أدبنا بوقاً دعائياً لإيديـولوجية مـعـيـنـة،بل الإلتزام في الأدب هو في أن تصاحب أدبنا تلك الروح الإنسانية المضيئة التي تكشف عن التصرفات الإنسانية فـتحبب إلى الناس ما هو جميل و محمود،و تكره في أنفسهم ما هو قبيح و مذموم.
و مفاهيم القبح و الجمال واحدة لا يختلف عليها البشر بتاتاً مهما تـنـوعـت آراؤهم و تباينت أديانهم،فلا أحد من البشر لا يعرف إن الصدق محمود و إن الكذب مذموم،و إن الـمـحـبـة نور و إن الكراهـية ظلام،و إن ظلم الآخرين و الإعتداء على حقوقهم هو انحراف عن الفطرة، إلى غير ذلك من المفاهيم الإنسانية المشتركة بين كل البشر.
الالتزام في الأدب هو أن يسهم النص الأدبي في ترسيخ تلك المفاهيم في عقول الناس و يـحـبـب تلك المثل و المبادئ إليـهم ليشعروا بلذة الانتماء،و يتلمسوا مواطن الخير و الإنسانية في ضمائرهم.هذا هو الالتزام.قد تكون غاية الفن و الأدب هي الجمال.و الجمال هو بـحـد ذاتـه قـيـمـة عـليا،و لكن الجمال الحقيقي هو جمال المبادئ و المثل العليا.
إن الالتزام بمفهومه الأشمل و الأعم هو التغلغل في أعماق النفس البشرية و الكشف عن أغوارها و لعل هذا هو أبرز ما سعى إليه صاحب مصطلح الالتزام سارتر من خلال أعماله الروائية.فنحن نجد في أعمال سارتر الإبداعية شعارات سياسية و لا مقولات تنظيرية بحتة و إنما نجد محاولات دؤوبة للإيغال في مجاهل النفس البشرية و إصرارا على كشف أغوارها،و إضاءة ظلمتها.