نغوص عميقا في العلاقات مع الناس،وجميعها تبدأ جميلة ومثالية،خالية من الكره
والعدوان،فنغمض الجفون ونحن نحلم بغد أجمل،والابتسامة تعلو الوجه وتجعله منيرا
فيمضي اليوم والغد وبعده،وكل يوم عما قبله هو أجمل،ويأتي في وقت ما ونصدم من
كل مانمر به ونراه وإليك الآتي:
ستصدم من واقع الأمر وتشعر بأنك استيقظت من حلم جميل،من كانوا رائعين بالأمس
أصبحوا وقحين اليوم،وذلك الكلام الجميل أصبح سم يسري في الجسد ليقتله ببطء،وأصبح
الحديث الطويل والضحك المتواصل بكاء فلا سلام ولا كلام،وشيئا فشيئا يتغير الأصحاب
والأحباب،فلا ندري آلخطأ منا أم منهم؟.
نتوه في دوامة من الأسئلة المتلاحقة التي لربما لن نجد لها أي جواب،وبعدها يعتصر
القلب بالحزن والأسى،وينفجر العقل بالتفكير،ولا تجف العينان من الدموع،وتظل ساهرة
بينما الناس نيام.
أيا صاحبي!
والله لا أحد يستحق إلا قلة قليلة من الناس،لهذا وجب أن تعلق القلوب فقط بخالقها لا
غيره حتى تسعد،فهي بقربه تأنس عندما يغيب الأنيس،ويذهب الشقاء والعناء منها
عندما تقبل إليه فيجبر كل مافيها من كسور،فتعود من عنده وكأنها عملية إنعاش تمت
للقلب من جديد فيبدأ ليحيى وينتعش،وعندما لا تجد من ينصرها تجد الله هو من ينصرها.
وأكمل مابقي من مقالتي لبعض أقاويل (ابن القيم).
" المخلوق إذا خفته استوحشت منه، وهربت منه، والرب - تعالى - إذا خفته أنست به، وقربت إليه".
"مَنْ عَظُم وقار الله في قلبه أن يعصيه - وقَّره الله في قلوب الخلق أن يذلوه".
"من أعجب الأشياء أن تعرفه، ثم لا تحبه، وأن تسمع داعِيَهُ ثم تتأخر عن الإجابة، وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره، وأن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له، وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأنس بطاعته، وأن تذوق عصرة القلب في غير حديثه والحديث عنه ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره و مناجاته، وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره، ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه، والإنابة إليه".
" إذا استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله، وإذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بالله، وإذا أنِسُوا بأحبابهم فاجعل أنسك بالله".
كانت تلك من أجمل ماقال ابن القيم من وجهة نظري،حقيقة لن يدركها إلا من جرب الحياة
مع الله،وكيف تكون بقربه،وكيف تكون تلك الساعات التي تقضيها في ذكره،إنها اللذة
التي وجب أن ندركها في هذه الحياة،لا حياة لنا من دون الله عز وجل ،لأنها ستبقى
الجنة في هذه الدنيا،رزقنا الله وإياكم محبته والأنس بذكره.