على مر التاريخ،لم نسمع ببشر تعرضوا للابتلاء تلو الابتلاء مثل الأنبياء،وكأن الدنيا ثعبان
عملاق يلتف حولهم ليقضي عليهم ويفترسهم،وكل ضيق مثل ظلام الليل السجي الذي
أحاط بهم ولم يستطيعوا الرؤيا،وبالرغم من كل هذا كانت ثقتهم في الله كبيرة،أخرجتهم
من وسط أمواج البحر العاتية،وألقتهم على شواطئ الأمان،فكان من بعد كل ضيق فرج،و
من بعد كل حزن وألم،فرح وسعادة،وخير من نتعلم من سيرته في كل هذا ،هو خيرخلق
الله،نبينا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.
فمن كان قد فقد أبناء له،فليتذكر نبينا الحبيب عندما فقد جميع أبنائه الذكور:القاسم،وعبد
الله،وإبراهيم،وكان عندما قام بدفن ابنه إبراهيم بكى وقال:"إن العين لتدمع،وإن القلب
ليحزن على فراقك يا إبراهيم".
فصبر صبرا عظيما،وإلى جانب ذلك كان قد فقد زوجته الحبيبة خديجة- رضي الله عنها-
،وعمه الذي كان يدافع عنه في كل مرة أبي طالب،حتى سمي العام الذي توفي فيه
أبي طالب وزوجته خديجة بعام الحزن.
و أيضا كان يلاقي الأذى من قبيلته،حتى ترك لهم مكة وهاجر إلى المدينة،وقبل هجرته
صلى الله عليه وسلم إلى المدينة(يثرب)كان قد ذهب إلى الطائف،ليدعو أهلها هناك إلى
الإسلام،فاستقبلوه أهلها برميه بالحجارة حتى دميت قدماه.
ومن ينسى في غزوة أحد ،عندما شج وجهه الشريف،وأحاط به الأعداء من كل جانب
وهو ملقى في الحفرة،فكان ذلك الموقف أليم جدا،ومن بعد المعركة يفاجأ برؤية
عمه حمزة ميتا،وقد تم شق بطنه واخراج ماحواه بطنه،فتألم قلبه صلى الله عليه وسلم
كثيرا،وبكى على فراق عمه.
ومن ينسى الأذى الذي تعرض له من اليهود عندما قاموا بتسميمه،حيث قاموا بدس السم
في طعامه.
وفي كل هذه المواقف وأكثر كان الله معه،واساه وخفف عنه برحلة الإسراء والمعراج،
وأعاده إلى مكة فاتحا لها،ومنتصرا على قريش كلها،ومن بعدها أتته قبائل كثيرة
تريد الدخول إلى الإسلام،يقول الله تعالى : (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس
يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توبا).
ومذ أن هاجر إلى المدينة ناصره الأنصار في دعوته،ووقف معه الكثير والكثير من
الأصحاب الأوفياء،والذين مضوا على دربه من بعده.
وفي آخر حياته" اليوم أتممت عليكم نعمتي،ورضيت لكم الإسلام دينا".
ففي كل هذا المشوار الطويل،والألم الكبير،والعناء المستمر،نصر الله عز وجل نبيه
الحبيب،وخفف عنه،ولم يتركه أبدا،فكانت سيرته صلى الله عليه وسلم نبراسا لنا في الحياة
نقتبس منها كل شيء ،فنتعلم ونتقدم.