بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
إن عظمة الله لا يعلمها إلا الله - جل وعلا -، ولكن الله - جل وعلا - بين لنا ما يدل على عظمته بقدر ما تتسع له عقولنا وإلا فإن عظمة الله - تعالى -لا يحيط بها ولا يعلمها إلا الله - سبحانه وتعالى -، وقد عرفنا الله - سبحانه وتعالى - بعظمته في قرآنه الكريم من أجل أن نجله ونعظمه ونعبده حق عبادته..
يقول الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - فإذا قيل لك بما عرفت ربك فقل بآياته ومخلوقاته ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر (فصلت: 37).ومن مخلوقاته السموات السبع والأرضين السبع وما فيهن.
ومن مخلوقاته ما ذرأه في هذا الكون من البحار والجبال والبراري والأشجار والأنهار وغير ذلك مما لا تحيط به العقول ولا يعلمه إلا الله - سبحانه وتعالى -..
(فإذا تأملت في هذا الكون وتدبرته عرفت عظمة خالقه وحكمته وقدرته ورحمته قل انظروا ماذا في السموات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون )(يونس: 101)، أولم يتذكروا فيما خلق الله في السموات والأرض قل انظروا ماذا في السموات والأرض، فالله - جل وعلا - أمرنا أن نتفكر وننظر فيما خلق، وأولي الألباب يتفكرون في خلق السموات والأرض ويقولون ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار (آل عمران: 191). فعلى العاقل أن يتفكر في خلق السموات والأرض والبر والبحر بل ويتفكر في خلقه هو وفي أنفسكم أفلا تبصرون (الذاريات: 21). وكذلك يتفكر في آيات الله المقروءة في القرآن الكريم ليعرف بذلك عظمة الله - سبحانه وتعالى - الذي تكلم بهذا القرآن وأنزله وجعله كتابا مشتملا على مصالح العباد ماضيا وحاضرا ومستقبلا ما فرطنا في الكتاب من شيء (الأنعام: 38)، وفي سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي هي وحي من الله وما ينطق عن الهوى) (3)إن هو إلا وحي يوحى (النجم: 3 -4).. كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب (ص: 29).
الله تعرف إلينا
و ليس الغرض من حفظ القرآن أو تلاوته مجرد التلاوة والتغني بالصوت وإنما المقصود التدبر في آياته وأسراره وما تضمنه من العجائب الدالة على عظمة الله - سبحانه وتعالى -، الله - جل وعلا - تعرف إلينا بهذا القرآن وذكر لنا شيئا من أسمائه وصفاته لنعرفه بها ونعبده حق عبادته، قال - تعالى -: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون (الأعراف: 180)، فلا تمر على الآيات مرور المستعجل الذي يريد أن يختم القرآن كم مرة أو عددا من المرات دون أن يتأمل ويتدبر ويستفيد ويخرج بنتيجة، فالقرآن لا يمل ولا يحاط بأسراره ولكن كل يأخذ بقدر ما أعطاه الله من الفهم والإدراك، الكل يستفيد من القرآن العامي والمتعلم والعالم والمتخصص بحسب مقدرته وما أعطاه الله، ولكن من المهم استحضار القلب إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد (ق: 37).
أعظم آية في القرآن
فالله - جل وعلا - قال: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) (الأعراف: 180)، وأسماء الله كثيرة لا يعلمها إلا الله ولكنه - سبحانه - ذكر لنا منها أسماء في القرآن وأخبر عن نفسه - جل وعلا - من ذلك قوله - تعالى -: (لا إله إلا هو الحي القيوم...) (البقرة: 255)، وهذه أعظم آية في كتاب الله لما تشتمل عليه من التعريف بالله - عز وجل -. وفي آية الكرسي ثمان جمل تشتمل على نفي وإثبات، إثبات الكمال لله - عز وجل - ونفي النقائص والعيوب عنه - سبحانه وتعالى -، فقوله: لا إله إلا هو أي لا معبود سواه - جل وعلا - وما عداه فإن عبادته باطلة من كل معبود من شجر أو حجر أو حي أو ميت أو جن أو إنس أو ملك أو نبي أو ولي كل ما عبد من دونه فهو باطل، وكما قال الشاعر:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل *** وكل نعيم لا محالة زائل
لا إله إلا هو فيه إبطال للشرك وإبطال لكل ما عبد من دون الله - عز وجل -، وهذه جملة عظيمة تقضي على الشرك وتثبت التوحيد، وهي اشتملت على إثبات التوحيد لله ونفي الشرك، والشريك عن الله - سبحانه - وتعالي. وقوله - تعالى -: الحي القيوم هذا إثبات الحي أي الذي له الحياة الكاملة التي لا يعتريها نوم ولا موت ولا زوال، المخلوقات فيها حياة إما حياة حركة وأما حياة نمو ولكنها حياة موهوبة من الله وحياة زائلة وتعتريها النقائص، أما حياة الله - جل وعلا - فإنها حياة ذاتية باقية لا بداية لها ولا نهاية ولا يعتريها نقص أو عيب.
القيوم أي قام بنفسه واستغنى عن غيره وقام بالمخلوقات بمعنى أنه أقامها وخلقها ورزقها ودبرها، وهو القائم على عباده - سبحانه وتعالى -، وهو الغني في ذاته المغني لغيره وما سواه، فهو فقير إلى الله - سبحانه -( كل الناس فقراء إلى الله يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) (فاطر: 15). يا أيها الناس هذا عام للملوك والصعاليك والأغنياء والفقراء والجن والإنس كلهم فقراء إلى الله ولو كان عندهم الأموال الطائلة. وعلى هذين الاسمين: الحي القيوم جميع الأسماء والصفات، فالحي يشتمل على جميع صفات الذات من السمع والبصر والحياة والقدرة، والقيوم يشتمل على جميع صفات الأفعال من الخلق والرزق والإحياء والإماتة. فجميع الأسماء والصفات تدور على هذين الاسمين الحي القيوم، ولهذا قيل إن هذا هو الاسم الأعظم الذي إذا دعي الله به أجاب.
هذا ما توجبه معرفة الله
إن الواجب على العبد أن يعبد الله وحده لا شريك له وأن نفرد الله - جل وعلا - بالعبادة والخوف والرجاء والرهبة والرغبة والتوكل والاستعاذة والاستعانة والصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة وسائر العبادات نفرده - جل وعلا - بهذه العبادات القولية والفعلية والقلبية ولا نلتفت إلى غيره كما يفعل المشركون قديما وحديثا الذين يتعلقون بغير الله من الأموات والأضرحة ويدعونهم من دون الله ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم، ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله. كذبوا على الله - جل وعلا -، فالله لم يأمر باتخاذ الشفعاء بينه وبين عباده، بل أمر عباده أن يعبدوه مباشرة وأن يدعوه مباشرة بدون وسطاء وهو قريب مجيب - سبحانه -، فهذا ما توجبه معرفة عظمة الله - سبحانه وتعالى - أن نفرده بالعبادة وحده لا شريك له لأنه هو المستحق للعبادة وكل ما عداه فهو مخلوق فقير إلى الله.
معرفة الله توجب شكره
إن معرفة عظمة الله - جل وعلا - توجب علينا أن نشكره ونذكره ونحمده ونستغفره ونكثر من ذكره وتعظيمه وتسبيحه - جل وعلا - قياما وقعودا وعلى جنوبنا دائما وأبدا وفي كل وقت نذكر الله - جل وعلا - ونداوم على ذكره - سبحانه - لأننا عرفنا عظمته وكبرياءه وجلاله تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن (الإسراء: 44)، (سبح لله ما في السموات، وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) (الإسراء: 44)، (ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه) (النور: 41)، فبنو آدم أولى بذلك أن يكثروا من تسبيح الله وتعظيمه وتنزيهه، لأن ذكر الله تحيا به القلوب (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب )(الرعد: 28)، وفي الحديث: (مثل الذي يذكر الله والذي لا يذكر الله مثل الحي والميت).
لماذا يتجرأ هؤلاء على الله؟
و الإنسان إذا جهل عظمة الله - جل وعلا - فإنه يتجرأ على ربه - جل وعلا - وكان الكافر على) ربه ظهيرا (الفرقان: 55)، فالمشرك حينما دعا غير الله وعبد غير الله هذا لم يقدر الله حق قدره وما قدروا الله حق قدره، ولذلك عبد غيره معه - سبحانه -، وكذلك كالذي يجحد أسماء الله وصفاته وينكرها كالجهمية والمعتزلة والأشاعرة ويؤولونها على غير معناها ويحرفونها، هؤلاء ما قدروا الله حق قدره وتجرأوا على الله وتنقصوه - سبحانه وتعالى -، وقد حذر الله - جل وعلا - من الإلحاد في أسمائه (وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون) (الأعراف: 180)، (إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة) (فصلت: 40).
وكذلك الذي يظن أن الله يرفع الباطل على الحق وأن الحق يزول ويذهب وأن الباطل يستمر هذا ما قدر الله حق قدره، فإن الله - جل وعلا - لا يليق بحكمته أن يرفع الباطل على الحق رفعا مستمرا وإن حصل شيء على أهل الحق من الهزيمة أو من النكبة فإن هذا شيء مؤقت، فإذا تابوا ورجعوا إلى الله أعاد الله لهم العزة والكرامة، فالباطل لا يعلو على الحق دائما، والذي يظن ذلك ما قدر الله حق قدره لأنه اتهم الله بالعجز أن ينصر الحق وأن ينصر أولياءه، لكن قد يصل شيء على أهل الحق من النقص والهزيمة والفتنة إذا حصل منهم خلل، فإذا أصلحوا خللهم عادت إليهم عزتهم وعادت إليهم مكانتهم، والباطل يزول ويضمحل وإذا ارتفع فهو مثل الدخان يعلو ثم ما يلبث أن يذهب وينقشع لكن الحق يبقى دائما وأبدا والعاقبة للمتقين، والعاقبة للتقوى.
ولما تخلف المنافقون على الغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (وجاءوا يعتذرون إليه شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا) (11) (بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا) (الفتح: 11 - 21)، فالذي يظن أن الله ينصر الباطل على الحق وأن الحق زائل والباطل باق فهذا ظن بالله ظن السوء ولم يقدر الله حق قدره.
وكذلك الذي يجحد البعث والنشور وينكر ذلك ويجحد الحساب والجنة والنار ويقول ما فيه إلا الحياة الدنيا هذا ما قدر الله حق قدره..
ومثل هذه الأمور تذكر بعظمة الله - سبحانه وتعالى - وتذكر عظمة الله ليس هو المقصود لذاته وإنما مقصود لغيره وله ما بعده فإذا تذكرت عظمة الله فماذا تعمل؟ تعمل في الطاعات والأعمال الصالحة والإكثار من فعل الخير ومن ذكر الله وتجنب المعاصي والسيئات، وهذه هي فائدة عظمة الله - سبحانه وتعالى -.
تحيتي
والله الموفق