نَخرجُ من أرحام أمهاتنا نصرخ.. ونبكي.. وتتعالى أصواتنا في فضاء الطبيعة.. قد يُنصتُ السُّكون إلى صَرَخاتنا.. فيبتسمُ فاهُهُ فرحًا بهدية جديدة حُملت إلى مساحات الطبيعة الغراء.. تنبسطُ الأرضُ الرَّحبَة، وهي تستقبل حضورنا إليها.. وتُشرقُ الشمسُ سَاطعةً بنورٍ يملأ الكون سِرًا يَسكـُننا.. ها هو كل شبرٍ من هذه الأرض ينتظر وقوفنا على الأقدام حتى يسيرَ بنا إلى عالمٍ جديدٍ.. يأخذُ بأقدامنا إلى البعيد.. ويَحُط بنا في كل مكان رحبٍ جديد.. وهاهي ذي السماءُ تُضَللُ رؤوسنا خوفًا علينا.. وحُبًا لنا.. ورحمة بنا.. حتى الجمادُ يَحيَى.. والسُّكون يُنصتُ.. والعدمُ يتحول إلى حقيقةٍ.. بمجرد أن تلمسهُ يد إنسان..
غالبًا ما قدّم الإنسان الكثير للحياة بعد أن يتقوّى عُودُه، وبعد أن يَكبُر ويتوسَّع عقله، وبعد أن يمتلأ حكمةً وعلمًا ومعرفةً، فيُغيِّر الكثير، ويُبدِّل الكثير بلمساته، وهمساته، وحتى أفكاره التي تغدو حقيقةً واقعيةً.
يزهو بنفسه هذا الإنسان، ويرقى بروحه وقلبه وعقله وفكره، وينهمُ من الكون كلَّ ما يحتاجُ، ويظلُّ توّاقًا لنهم المزيد، ويظل ظمِئًا لكل شيء، لا يرتوي ولا يشبع من أي شيء.. ويؤدّي به نهمُه الدائم، وعطشه المستمر، وظمؤه الغزير، إلى مواقف قد تُصبح سلبياتٍ لا يُدركها إلا بعد فوات أوانها.. قد يندم عليها.. وقد يخسرُ الكثير بعدها..
خطـَّاءٌ هو هذا الإنسان..
يظلمُ غيرَهُ.. في حين وجبَ أن ينشر العدل (فهو خليفة الله في الأرض)..
يجهلُ.. في حين يجبُ أن يكون أعقل المخلوقات..
يغضبُ.. في حين وجب أن يكون أحلم المخلوقات..
يطمع.. في حين وجب أن يكون أقنع البشر..
يرغب في الخلود.. في حين يجب أن يُدرك أنه فانٍ..
ويستمر بالأخطاء ما استمرَّت الحياة....
ما يُدهِش، ويُستَغربُ له في هذا المخلوق البشري.. هو أنه يجد شبيهه في كل مكان.. سواءًا يعيش معه، أو يقاسمه الهواء، وحتى البعيد عنه بألوف وملايين الأميال.. ولكنه لا يُدرك ذلك..
يُريد من الآخر أن يكون حليمًا في حين يتسرع هو.. يُريدهُ أن يكون كريمًا في حين يشح هو.. يُريدهُ أن يكون صبورًا في حين يقلق هو.. يُريدهُ أن يكون بشوشًا في حين يعبَسُ هو.. إلخ
تساؤلاتي : -إذا كان البشر من زمرةً ونوعيةٍ واحدةً، يُخطئون جميعًا.. يزِلـُّون جميعًا... يظلمون.. يجورون.. يتسرعون..... فلم لا يتقبلون الآخر، في حين يقبلون أنفسهم التي هي من نفس فصيلة الآخر؟
-متى يقتنع الإنسان أن لا أحد مثالي فوق هذه الأرض، وأن بالبشر جميعًا معالم النقص، وكوامن الضعف، بل وكيف يقتنع بذلك؟
-كيف نتعايش بفهمٍ واضحٍ ورؤيةٍ واقعيةٍ موضوعيةً واضحةٍ للآخر، بحيث نتقبله، ويتقبلنا بكامل ما فيه، وما فينا؟
أخوكم في الله
امين سلطان