[rtl]المشكلة الثانية التي تنشأ عن اختلاف التفاسير الميل إلى التشديد على شكل الرسالة لا على مضمونها.[/rtl]
[rtl]
يؤكد القرآن على الحاجة إلى القراءة في سورة العلق ومطلعها ” اقرأ”. عندما يقرأ المرء، يكتسب المعرفة بالتأكيد، لذلك قرأ المسلمون الأوائل الذين امتثلوا لهذه الآية كل ما وقعت عليه أيديهم لينهلوا من المعرفة.[/rtl]
[rtl]
وبما أنه ليس هناك كثير من الأعمال المكتوبة عن الإسلام في حياة النبي الكريم ( صلى الله عليه وسلم) ، وبما أن الأمر بالقراءة لا يضع قيودا على المواد الواجب قراءتها ، أطلع المسلمون الأوائل على ما يبدوا على مؤلفات اليونانيين والهنود والصينيين والفرس. وكي يتمكنوا من ذلك ، توجب عليهم تعلم لغات تلك الأقوام ، ونحن نعرف الآن أن العلماء المسلمين الأوائل أعادوا إنتاج الاكتشافات العلمية والنظم الرقمية التي توصلت إليها الشعوب المذكورة، والاهم من ذلك أنهم أجروا دراساتهم وبحوثهم الخاصة وكانت لهم إضافات في كثير من ميادين المعرفة، فالعلماء المسلمون كانوا رواد علم الفلك والجبر ودراسة الإمراض والطب و الإجرام السماوية وغيرها.[/rtl]
[rtl]بقي المسلمون متقدمين على الحضارات الأخرى طوال قرون بإتقانهم العلوم والطب والرياضيات . لكن بدأت تفسيرات جديدة بالانتشار في وقت قريب من القرن الخامس عشر بعد الميلاد، وفحواها أن كلمة ” اقرأ” تعني اكتساب العلوم الشرعية فقط.[/rtl]
[rtl]أراد هؤلاء ، القول إن الدراسة التي تلقى استحسان العلماء هي دراسة الدين فقط وأن كل الدراسات أو ميادين المعرفة الأخرى لا تكسب صاحبها أي فضل ، و الأشخاص الذين أعطوا هذه التفسيرات كانوا أشخاصا تعمقوا في دراسة الدين، ولابد من أنهم مالوا بالبداهة الى اعتبار هذا الفرع من المعرفة أهم العلوم.[/rtl]
[rtl]و أيا يكون سبب هذا التشدد على دراسة العلوم الشرعية حصرا، الحقيقة هي أن اشتغال العلماء المسلمين بدراسة ميادين المعرفة الأخرى تراجعت في وقت قريب عنها في القرن الخامس عشر ، وبمرور الوقت، أصبح المسلمون شديدي الجهل بهذه الموضوعات.[/rtl]
[rtl]وصادف أنه في الوقت الذي عزف فيه المسلمون عن دراسة العلوم، لاحظ المسيحيون الأوروبيون، الذين كانوا في العصور المظلمة آنذاك، تفوق حضارة المسلمين وقرروا امتلاك معارف المسلمين فتعلم الكهنة المسيحيون اللغة العربية ودرسوا الكتب العلمية وغيرها والتي كانت تزخر بها المكتبات العظيمة في العالم الإسلامي.[/rtl]
[rtl]النتيجة النهائية كانت انكفاء المسلمين وتقدم المسيحيين الأوروبيين السريع بعد أن ترجمت المعارف التي اكتسبوها إلى اللاتينية أولا ثم إلى اللغات الأوروبية الأخرى. وبذلك أتيحت المعرفة للمواطنين العاديين وليس للكهنة فقط مثلما كانت ممارسة الكنيسة في العصور الوسطى.[/rtl]
[rtl]
ومع انكفاء المسلمين بسبب قلة إلمامهم بالعلوم ، أصبحوا ضعافا وعاجزين عن الدفاع عن أنفسهم. لم يتمكنوا من تطوير دفاعاتهم بأسلحة و إستراتيجيات جديدة ، وسقطت الدول الإسلامية الواحدة تلو الأخرى في أيدي الأوروبيين الذين امتلكوا أسلحة أفضل.[/rtl]
[rtl]
هذه هي عاقبة التفسيرات الخاطئة للآيات القرآنية، مثل الخطأ في تفسير ” اقـــــرأ” والعجيب أن بعضاَ لم يحمل الآية على معنى القراءة ، لكنهم أقلية لحسن الحظ.[/rtl]
[rtl]
على أن هناك تفسيرات أخرى للقرآن الكريم أذنت إلى انكفاء المسلمين، فالقرآن يأمر المسلمين [امتلاك القدرة على الدفاع عن أنفسهم، ولهذا السبب ذكر القرآن الخيل التي تستخدم في الحروب ” وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم” الأنفال 60. وكان لدى النبي الكــــــريم ( صلى الله عليه وسلم) خيول و أسلحة أخرى يدافع بها عن المجتمع.[/rtl]
[rtl]
المؤسف أن التفسيرات الحرفية لهذه الآية جعلت المسلمين يهملون أهمية القدرة الدفاعية، وشددوا بالمقابل على امتلاك الخيل عملا بالتفسير الحرفي، و الأسلحة التي استخدمها النبي الكريم بوصفها السنة التي يتعين على المسلمين إتباعها، ولو أنهم شددوا على الدفاع، لعززوا قدراتهم الدفاعية بتحديث أسلحتهم مثلما فعل أعداؤهم الأوروبيون.[/rtl]
[rtl]
أسهم إهمال دراسة العلوم والرياضيات في عجز المسلمين عن اختراع أسلحة جديدة وتطويرها. وفي النهاية ، أرغموا على حيازة الأسلحة من أعدائهم وتدهورت بالكامل قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم ، وهي القدرة التي أمرهم القرآن بامتلاكها.[/rtl]
[rtl]
نلاحظ هنا أيضا أنه حتى حين تكون الآية القرآنية واضحة، يمكن أن تفوت المفسرين الرسالة الحقيقية التي فيها، بميلهم إلى المعنى الحرفي. ويتعين عزو الحالة الكئيبة التي يعيشها المسلمون اليوم، وعجزهم عن الدفاع عن أنفسهم إلى التشدد الخاطئ في تفسيرات تعاليم الإسلام.[/rtl]
[rtl]
يقدم لنا القرآن توجيها آخر غالبا ما يساء تفسيره أو فهمه بما يلحق الضرر بالمسلمين. فليس هناك ضير مثلا في وجوب طلب المسلمين العون بالابتهال إلى الله في صلواتهم عندما يواجهون مشكلات أو تهديدات.[/rtl]
[rtl]
يشدد مدرسو الدين على الحاجة إلى أداء الصلوات للتوسل إلى الله في أوقات الشدة أو عند التعرض للتهديد لكنهم لم يشددوا على الآية الكريمة التي تقول ” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” الرعد 11.[/rtl]
[rtl]
من الأهمية بمكان أن نحاول مساعدة أنفسنا، فالصلاة وحدها لن تساعدنا إلا في الحالات التي لا يسعنا فيها فعل شيء لأنفسنا، لكن إمكانية معاناتنا عجزا كاملا نادرة للغاية.[/rtl]
[rtl]
إن الوضع البائس الذي يعيشه المسلمون اليوم راجع جزئيا إلى عدم قيامهم بشيء، أو قيامهم بشيء ضئيل للغاية عدا طلب النصرة من الله تعالى. يتعين أن يكون 1,3 مليار مسلم في عداد أغنى الناس في العالم لأن الله أنعم عليهم بثروة غير محدودة من الموارد النفطية. لكن هل يستطيعون القول إنهم استخدموا تلك الثروة في مساعدة أنفسهم على الخروج من وضعهم الحالي؟[/rtl]
[rtl]
الواضح أنهم لا يعملون بتوجيهات القرآن التي أمرتهم بمساعدة أنفسهم أولا ، إذا كانوا يريدون من الله أن يساعدهم، ولوم الآخرين لن يوصلهم إلى شيء لأنه لا يمكنهم في الواقع توقع قيام الآخرين بعمل لإنقاذ المسلمين فيما لا يقوم المسلمون بشيء من الناحية الفعلية لإنقاذ أنفسهم.[/rtl]
[rtl]
مررت بوقت شعرت فيه بارتباك بشأن الإسلام وتعاليمه، فعندما كنت أدرس موضوعات علمية في الجامعة ، وجدت أني أشكك ببعض تعاليم الإسلام.[/rtl]
[rtl]
يطالب الإسلام المؤمنين، أكثر مما يطلب أي دين آخر، بالقبول بأي شيء بوصفه من العقيدة الجوهرية التي لا يمكن التشكيك فيها، وهذا ما يقوله دارسو العلوم الشرعية على لا اقل، وما عليك سوى الإيمان بما تعلمته وعدم طرح الأسئلة، لكن بوصفي عالماَ، تعلمت طلب الدليل في كل شيء وبدا أن الذي وجدته في العلم مناقض في الظاهر لتعاليم ديني في حالات كثيرة.[/rtl]
[rtl]
في الطب، كل شيء يفسر بطريقة منطقية. تنجم الأمراض عن كائنات عضوية صغيرة الحجم أو قصور في أداء جسم الإنسان ولعلاج الاعتلال الجسدي، عليك أن تخلًص جسم المريض من التأثيرات التي تضر بصحته، عليك أن تقتل الجراثيم أو تستأصل الأطراف الميتة، يمكن أن تنجح فيشفى المريض، أو تفشل فيموت.[/rtl]
[rtl]
ربما تصلي وتدعو الله أن يشفيهن لكن يتعين عليك تقديم العلاج الموصوف إذا كنت تريد أن يستعيد المريض عافيته من جديد, اذا كان المريض سينجو، فسوف ينجو سواء أدعوت الله أم لم تدعهُ، ففي النهاية المريض من غير المسلمين يتماثلون للشفاء أيضا. وفي الواقع، يطلب المسلمون العلاج من أطباء غير مسلمين.[/rtl]
[rtl]
أحسست بالتشوش والارتباك، لم أقو على رفض الإيمان، لكن ما لاحظته لا يفسره الإسلام وهو دين أؤمن به.[/rtl]
[rtl]
أبدى الأساتذة الذين علموني الدين معارضة قوية لمفهوم التعليل العقلي أو تحكيم العقل في شؤون الدين، وأرادوا مني الإيمان فحسب، أرادوا مني في الواقع القبول بما قالوه لأنه كلام الله وليس من حقي أن أجادل، وتوجب عليَ الإيمان ببساطة.[/rtl]
[rtl]
لكن بسبب ميلي إلى طلب تفسيرات رفضت مجرد الإيمان، لاشك في أنه يتعين أن يكون كلام الله منطقيا ومستندا إلى المنطق. فمحال أن يكون الدين مجرد أداء شعائر، ويتعين وجود سبب لكل شيء، لأن الله أعطى الإنسان القدرة على التفكير وهو يعني البحث عن السبب و لا يمكن انتفاؤه في إيماننا.[/rtl]
[rtl]
سعيت لمدة طويلة من الزمن إلى الوقوف على الأسباب التي تعلل معجزة الحياة، أرشدني العلم إلى كل ما له علاقة بالوظائف الجسمانية، مثل حاجتنا إلى الأكل والتنفس والتخلص من الفضلات وما سوى ذلك. لكن لماذا يجدر بنا العيش أصلا إذا كنا سنموت في النهاية مهما أكلنا وتنفسنا؟[/rtl]
[rtl]
وحتى حين درست علوم الأحياء والكيمياء والفيزياء في السنة الجامعية الأولى ، تأملت مليا في الحقيقة التي تسمى معجزة الحياة . ثم بدا لي بالتدريج أن العلم لا يمكنه دائما تفسير ” سبب” حدوث الأشياء ، وإنما يمكنه فقط تفسير ” كيفية ” حدوثها.[/rtl]
[rtl]
يقال لنا إننا نستنشق الأوكسجين من الهواء لإشباع الدم به، والذي بدوره يؤكسد خلايا الأنسجة لإبقائها حية ثم تمرر الخلايا الفضلات الناتجة عن عملية الأكسدة للدم عل شكل ثاني أكسيد الكربون وفضلات أخرى يتخلص منها بعد ذلك عبر الرئتين أو الكليتين أو مخرج البدن. وبهذه الطريقة ، يتمكن الكائن العضوي أو المخلوق الإنساني من العيش.[/rtl]
[rtl]
لكن لماذا ينبغي أن تسير الأمور على هذا النحو؟ العملية الموصوفة أعلاه متعلقة بـ ” كيفية” أكسدة الجسم وإفرازه الفضلات، لكنها لا تعطينا الإجابة عن ” سبب” منح هذه العملية الحياة للكائن العضوي؟[/rtl]
[rtl]ولماذا الأوكسجين وليس الكلور أو أي غاز آخر؟ يبين العلم أن الكلور سيسمم الجسم. ويشرح العلم بإسهاب العملية التي تقتل فيها الكائنات العضوية بواسطة الكلور. ما من مرة تساءلت فيها عن سبب عمل شيء وفقا للطريقة التي يعمل فيها، أو ما إذا كانت عملية إحياء أم ” إماتة” إلا وفسر الجواب كيفية حدوث العملية فقط.[/rtl]
[rtl]
وفي النهاية ، أرغمت على الاستنتاج أن هناك قوة حددت سبب حصول كل شيء وكيفية حصوله. يطلق العلماء على هذه القوة اسم ” الطبيعة” لكن ما هي الطبيعة؟ ولماذا تحدد الأشياء على هذا النحو؟[/rtl]
[rtl]
استنتجت بأنه بتعريف تلك القوة بأنها الطبيعة، يسعى العلماء لتجنب الاعتراف بوجود قوة لا يمكنهم تفسير قدرتها على تحديد كل شيء حصل في العالم. حتى إن هذه القوة حددت قوانين العلوم وطريقة تحكمها بكل فعل ورد فعل.[/rtl]
[rtl]
استنتجت بان ما يسمونه الطبيعة إنما هو الله القادر على تحديد كل ما يحكم تصرفات جميع الأشياء على الكرة الأرضية وغيرها.[/rtl]
[rtl]
هذه القدرة أكبر بكثير مما قيل لنا، نحن نعرف الآن أن الكون ، بنجومه ( شموسه) ومجموعات نجومه التي لا تحصى أوسع بكثير مما كنا نعتقد. ونحن نعرف أن الفضاء من الاتساع بحيث يستغرق الانتقال من نجم إلى آخر عدة سنين ضوئية حتى داخل المجموعة ذاتها.[/rtl]
[rtl]
لكن كل شيء على الكرة الارضية يتألف من إلكترونات وبروتونات وجزيئات أخرى هي من الدقة والصغر بحيث نعجز عن رؤيتها، تحدد هذه الجزيئات خصائص مادة معينة وسلوكها، على المستوى الجزئي، ويمكن أن تكون تركيبتها طليقة مثل الغاز إلى حد تمكين الأشياء من المرور فيها، لكن تركيبتها يمكن أن تكون من الكثافة مثل الأجسام الصلبة بحيث يمكنها مقاومة الجهود القوية لتغيير أشكالها الفيزيائية.[/rtl]
[rtl]
إن القدرة التي تخلق هذا الكون الفسيح الذي يتعذر قياس حجمه وهذه الذرات والالكترونات والبروتونات الدقيقة والجزيئات دون الذرية، والقدرة التي تحدد خصائصها وسلوكها ، والقدرة التي تخلق الحياة والقدرة المتحكمة بكل شيء ، من اصغر الأشياء حجما الى الكون الهائل الشاسع لابد من انها قدرة تتجاوز قدرة الانسان على الاحاطة بها. لابد من أن القدرة تلك هي قدرة الخالق، الذي هو الرب وهو الله. و ما لم نؤمن بوجود خالق، سنعجز عن تفسير أسباب حصول كل شيء وطريقة حصوله في هذا الكون، سنتوه ببساطة ، ولن نقدر على فهم لماذا ظهرت الأشياء على هذا النحو.[/rtl]
[rtl]
شعرت بارتياح لاكتشاف ذلك ، عرفت الآن حدود العلم. يشرح العلم كيف تبدو الأشياء، و الالمام بالعلم يفضي الى كثير من الاستخدامات العملية، لكن ما هو اقصى ما يمكن العلم الوصول اليه. وفي اللحظة التي يلجأ فيها الى العلم فيها لتفسير سبب ظهور الأشياء على الشكل الذي تظهر فيه، لن تجد لديه جوابا سواء الآن أو في المستقبل.[/rtl]
[rtl]
” يخلق ” علماؤنا الآن من خلال الاستنساخ مستخدمين خلايا جذعية، وما الى ذلك، نجحوا في ذلك وفي وسعهم إخبارك عن كيفية حصول الأشياء التي فعلوها، لكن حين يسالون لماذا يمكن إجراء الاستنساخ، وخلق حياة جديدة ، لن تجد لديهم اي جواب.[/rtl]
[rtl]
إن ما قاموا به لا يعدو كونه تسخيرا لسلوك كائنات حية خلقها الله. وفي النهاية ، يمكن اي منا خلق حياة، إننا نقوم بذلك من خلال معجزة الولادة. يمكننا شرح كيفية تلقيح المنيَ للبويضة، لكننا لا نستطيع هنا أيضا شرح السبب، لماذا لا يضع البشر بيضاَ؟ فهذه العملية يمكن أن تخلق حياة أيضا. لكن الانسان يخلق في رحم امرأة، ولو شاء الله أن ينجب الرجل من خلال عملية وضع البيض، ماذا كنا سنقول؟ سنبين كيفية وضع البيض، وتخصيبها و تفقيسها. لكننا لن نقدر على شرح سبب عدم حصول الحمل في رحم المرأة مثلما يحصل الآن، وجل ما يمكننا قوله إنها إرادة الله.[/rtl]
[rtl]
أصبح إيماني اقوي من أي وقت مضى لأني عرفت الآن ما لم يعرفه المسلمون العرب الأوائل ، وهو قدرة الله أكبر بكثير مما اعتقدوا، و انها تمتد ملايين السنين في الزمن،و أنها تحكم كونا هائل الحجم على نحو يفوق التصور. لا يمكن العلم إنكار قدرة الخالق ، كما لا يمكن العلم الحلول محل الايمان، لذلك ليس في تعلم العلوم ما نخشاه، و لا يمكن أن تقوض دراسة العلوم الايمان، بل إنها تقويه في الواقع، لذلك ، لا سبب يمنع المسلمين من دراسة العلوم.[/rtl]
[rtl]
أنا أعتبر هذه الحقيقة على قدر عظيم من الاهمية لأن أحد أسباب تخلف المسلمين هو جهلهم في المجال العلمي ، ومع أن عزو جميع الظواهر الى الله صحيح ، لكن دراسة ” الكيفية ” التي يشرحها العلم شرط لتمكننا من تسخير ما خلقه الله في تحسين أوضاعنا.[/rtl]
[rtl]
أكبر إساءة للحضارة الاسلامية تلك الاستنتاجات والتعاليم المنقولة عن علماء ومفادها أنه ينبغي للمسلمين عدم دراسة العلوم لأنها علمانية وغير دينية . وبًعيد رواج هذه التعاليم ، انكفأت الحضارة الاسلامية و اصبح المسلمون في النهاية ضعافا عاجزين عن الدفاع عن انفسهم.[/rtl]
[rtl]وأسوأ من ذلك أن هؤلاء العلماء نسبوا الانكفاء الى قدرة الله وتجاهلوا التحذير الإلهي من أن الله لن يساعد الامة حتى تبذل الجهد في مساعدة نفسها أولاَ ” لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” . و لا ريب أن حيازة المعرفة العلمية تعطي المسلمين القدرة على الدفاع عن الأمة ، وعندما يفشلون في ذلك، لن يلقى دعاؤهم إجابة.[/rtl]
[rtl]
هناك أمور يمكن فعلها بطبيعة الحال حتى في الوقت الحالي، على أنه على الرغم من النعم التي أنعم بها الله على المسلمين، لم يفعلوا شيئا لتحصين دفاعاتهم ورفع مستوى رفاهيتهم، مع أن الاسلام في غاية الوضوح في مسالة الحاجة الى اداء ما أصطلح على تسميته فرض كفاية، وهو الفرض الذي يشترط أن يكون في المجتمعات الاسلامية أفراد تسهم قدراتهم وأفعالهم في الدفاع عن مجتمعاتهم وتقديم ما هو خير لها و للاسلام نفسه. وإذا لم يوجد فرد قادر على توفير هذه الأمور ، يعتبر المجتمع بأسره آثماَ.[/rtl]
[rtl]
أنا أرى أن توفر مدراء جيدين وأطباء ومهندسين وجنود وقادة سيطهر المجتمع الاسلامي من آثام عديدة ،وهؤلاء الأشخاص هم الذين يؤدون بحق فرائض الاسلام.[/rtl]
[rtl]ومع أن الفرد يثاب على أداء فروض الصلاة والصيام والزكاة والحج ، فإن سد حاجات المجتمع الاسلامي تعود على الفرد بالثواب ، كما تطهر المجتمع من آثام شائعة.[/rtl]
[rtl]
ومن دواعي الأسف أن تشدد المسلمين والذين يدرسون الدين على فروض العين مثل أداء الصلوات والصيام والزكاة والحج أكثر تشددهم على فروض الكفاية، لكن ليس في القرآن آية ولا في السنة حديث صحيح يفيد بأن فرض العين الذي يعود على الفرد وحده بالثواب أو في جزاء يوم القيامة من فرض الكفاية.[/rtl]
[rtl]يعرف المسلمون جيداَ أن الجنود الذين يقتلون دفاعا عن الإسلام أو عن الأمة الإسلامية يعتبرون شهداء جزاؤهم الموعود دخول الجنة ، يستتبع ذلك أن الثواب الذي سيناله المشاركون في تحصين دفاعات المجتمع وتحسين رفاهيته، في الآخرة ، ليس أقل من ثواب الذين يؤدون الفرائض المختلفة ويدرسون الشريعة ويؤمون المسلمين ويتلون القرآن.[/rtl]
[rtl]
إن الدفاع عن بلاد المسلمين ليس مقتصراَ على الجنود ، ولكن يشمل العاملين في الصناعة الدفاعية والباحثين ومبتكري الأسلحة الدفاعية ومنتجيها، بل الإدارة برمتها في الواقع. وإذا أدوا جميع أعمالهم بإخلاص وبالشكل اللائق، يتعين اعتبارهم في عداد مؤدي فروض الكفاية وهم يستحقون الثواب ذاته.[/rtl]
[rtl]
وإذا فشلوا في أداء مهمتهم ، وإذا كانوا فاسدين يكونون بطبيعة الحال في جملة مرتكبي الكبائر ويستحقون العقاب في الآخرة.[/rtl]
[rtl]
كانت دراستي للقرآن الكريم نافعة للغاية في توجيهي في حياتي الشخصية وفي أدائي المهام التي أًتمنت عليها بوصفي قائدَ بلادي[/rtl]
[rtl]وأحسست بأنه ينبغي للآخرين الانتفاع منها أيضاَ. فإذا حظي كل القاطنين في ماليزيا ” بالتوجيه الصحيح” ، لابد من أن تصبح دولة عظيمة وستساعد على ابطال الاعتقاد الشائع بانه لا يمكن الدول الإسلامية أن تصبح دولاَ متطورة مثل الدول غير الإسلامية. ربما يوجد قدر من الغرور في ادعائي، لكن ذلك لا ينقص من حقيقة أن أعمالنا تجعل الاسلام دينا مبجلا وقويا.[/rtl]
[rtl]عندما قررت إضفاء مغزى إضافي على المادة الدستورية التي تنص على أن الاسلام هو الدين الرسمي للدولة، لم أقصد أنه يتعين على جميع سكان ماليزيا الآخرين أن يصبحوا مسلمين. كل ما أردناه هو تشريب الماليزيين القيم الاسلامية حتى من دون حملهم على التحول الى الاسلام ، لذلك أعلنت في سنتي الثانية في رئاسة الوزراء أنه ينبغي للحكومة الماليزية الاسترشاد بالقيم الاسلامية.[/rtl]
[rtl]يوجد اختلافات كثيرة في نظم القيم بين أبناء الديانات المختلفة في ماليزيا ، لكني لا أعتقد أن تلك الاختلافات عميقة أو كثيرة ، وعلى وجه العموم ، القيم الاسلامية الجيدة مماثلة للقيم الغربية التي تعتبر جيدة أو التي تسمى القيم العالمية.[/rtl]
[rtl]
وإذا بدا أنه يوجد اختلاف ، فذلك لا يرجع الى تعاليم الاسلام ولكن يرجع الى التفسيرات التي ذكرها الذين يشعرون بالحاجة الى أن يكونوا مختلفين. يوجد بطبيعة الحال قيم غربية معينة لا يرتضيها الاسلام ، وبخاصة القيم التي تبلورت في الأزمنة الحديثة، على أنه حتى غير المسلمين في ماليزيا يودون نبذ هذه القيم.[/rtl]
[rtl]
حتى إني عجزت وأنا صبي عن فهم سبب تخلف الدول الاسلامية وضعفها مقارنة بالدول الغربية ، ولايمكن عزو ذلك الى تعاليم الاسلام . إن التعاليم الصحيحة هي المذكورة في القرآن وليس في تفسيرات بعض من تلقوا تعليما شرعيا، والحقيقة هي أن المسلمين كانوا أكثر تقدما من الغرب في مرحلة معينة.[/rtl]
[rtl]قرأت أن المسلمين الذين استقروا في الاندلس في اسبانيا كانوا متقدمين كثيرا على الأوروبيين في الزراعة ، و بنوا العبارات لجر المياه من الجبال وري الارض وبرعوا في البناء كما يتجلى في قصر الحمراء بغرناطة. وشقوا الطرقات للمسافرين والتجار و بنوا خانات للتجارة الى جانب حظائر لجمالهم وخيلهم ، وكان لديهم اسواق للتجار المتجولين ولأصحاب المحلات المقيمين.[/rtl]
[rtl]
خاضوا البحار الهائجة وعبروا الصحارى مهتدين بالنجوم، وعبر التجار العرب المحيط الهندي الواسع للتجارة مع التجار الصينيين والهنود وقايضوا السلع معهم في الموانئ الاستيداع في جنوب شرق آسيا، وكانت بلدانهم ومدنهم حسنة التنظيم ، وعكست مساجدهم مهاراتهم وفهمهم لقوانين الفيزياء، وتقديرهم للجمال وتميزت جيوشهم بحسن التنظيم والقوة وكذلك قواهم البحرية.[/rtl]
[rtl]كان كل شيء يشير الى تفوق المسلمين وحضارتهم، لكن وجد مسلمون متعصبون ، شديدو التمسك بأداء فروضهم الدينية ، وكانوا متبحرين في دينهم. تعمق علماؤهم في دراسة الدين وكتبوا مجلدات عن نواحي الاسلام المتنوعة ، بل أنهم برعوا في العلوم والرياضيات والفلك والطب.[/rtl]
[rtl]أحترم العالم الاسلام والمسلمين آنذاك، وسبب هذا الاحترام نجاح المسلمين في جميع الميادين.[/rtl]
[rtl]
إن كون بلد ما ناجحا لا يجعله غير اسلامي ، وسيعتبر بلد ما غير إسلامي إذا تجاهل تعاليم الاسلام فقط، وليس في تعاليم الاسلام ما يفيد بأن الفشل في الحياة الدنيا سينفع صاحبه في الآخرة.[/rtl]
[rtl]
ذكرت في كلمة ألقيتها في الاجتماع العام لحزب سياسي غير مسلم في سنة 1996 م أن ماليزيا دولة إسلامية ، لم يعترض غير المسلمين على ذلك لأنهم عرفوا أن الأغلبية المسلمة التي هيمنت على الحكومة منذ إقامة ماليزيا عاملتهم بعدل و إنصاف. لكن هناك مسلمون حتى في ماليزيا، يعتقدون أن الشيء الوحيد الذي يجعل دولة ما دولة إسلامية هو ضرب أعناق القتلة وقطع أيادي السارقين.[/rtl]
[rtl]
لكنه معيار تعسفي، فالقرآن يدعوا إلى إقامة مجتمع اسلامي لا الى إقامة دولة اسلامية. ولاشك في أن المسلمين مأمورون بالتسامح والتراحم، يقول الله تعالى في الاية 45 من سورة المائدة “وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ و َٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَ ٱلْأَنفَ بِٱلْأَنفِ وَٱلْأُذُنَ بِٱلْأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌۭ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِۦ فَهُوَ كَفَّارَةٌۭ لَّهُۥ” وكذلك [/rtl]
[rtl]
“وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم”[/rtl]
[rtl]
التغابن: 14..ويتضح أن الاسلام مبني على التراحم والتسامح ووفق ذلك ، العدل هو الذي يجعل المجتمع إسلاميا. يقول القرآن الكريم [/rtl]
[rtl]” وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا” [/rtl]
[rtl]
النساء (58)”[/rtl]
[rtl]ماليزيا\ كوالمبور[/rtl]
[rtl]
الكاتب الدكتور تون مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الاسبق[/rtl]