في الظروف التي تعيشها الأمة الإسلامية اليوم والتي تتميز بكون المواجهة فيها مع أعدائها نفسية قبل كل شئ, فتسبق الحرب النفسية دوما وسائل الحرب الأخرى لتدمير الروح المعنوية لأبناء المسلمين لتضعف عزائمهم ولتشل إرادتهم.
ولهذا اهتم الباحث الكريم بتأصيل مفهوم الحرب النفسية في القرآن الكريم؛ لبيان كيفية مواجهة المسلمين لها في صدر الإسلام، وكيفية استغلال الحرب النفسية المضادة الاستغلال الصحيح في المعارك؛ ليعلم الجميع أن الشريعة الإسلامية شريعة صالحة لكل زمان ومكان، وان العزة والكرامة والنصر في التمسك بكتاب الله سبحانه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ومنهج سلفهم الصالح رضوان الله عليهم.
فبدأ الباحث يعرض تعريف لمفهوم الحرب اللغوي والاصطلاحي، فمن حيث الاصطلاح هو القتال عموما أي صراع مسلح بين دولتين أو فريقين يكون الغرض منها الدفاع عن حقوق أو مصالح الدول المتحاربة, ويشمل التعريف كل ما تعنيه القوة من معان باستعمال كل طرف لكل ما يقدر عليه من قوة مادية ومعنوية في ذلك جميع الصناعات الحربية والعسكرية علاوة علي القوة الفكرية والسياسية وهو يتمثل في الجانب المعنوي، وهو الذي نعني به الحرب النفسية، ويكون هذا الإعداد مسبقا لكسب أرضية في ساحة الحرب، وإلقاء الرعب والرهبة في قلوب الأعداء.
ووردت كلمة الحرب في القرآن الكريم في أربعة مواضع، لكنها ترتبط ارتباطا وثيقا في الإسلام بمصطلح آخر وهو مصطلح الجهاد، فالجهاد مبدأ إسلامي تكليفي يتضمن الدعوة للإسلام بشقيه باللسان منهجا وبالقتال ضرورة.
والحروب في القرآن أربعة أنواع:
- رد العدوان والدفاع عن الدين والنفس والوطن والمال.
- الدفاع عن الدعوة الإسلامية وتأمين حرمة الدين والاعتقاد.
- تأديب ناكثي العهود والمواثيق.
- درء الفتنة التي يحاول أعداء الدين إشعالها.
وقد عبر عن الحرب النفسية في القرآن بمصطلح "الرجف" وهو الاضطراب الشديد, والمرجفون هم مروجو الإشاعات والأخبار الكاذبة ليحدث الاضطراب في الناس, فقال سبحانه "لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً" الاحزاب:60, ومن هنا كانت الحرب لإرهاب هؤلاء المتخفين المستترين كما قال سبحانه "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ" الانفال:60.
وتطرق الباحث بعد ذلك إلي أهمية الحرب النفسية للأمة الإسلامية, ويقصد بها تشتيت فكر العدو مابين حالة اللاحرب و اللاسلم فهي أشبة بحالة الحرب الباردة الغير واضحة المعالم، والتي علي إثرها تحطم مقاومة العدو دون قتال وهي التي عبر الله عز وجل عنها بقذف الرعب في القلوب فقال سبحانه "مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ" الحشر:2.
ومن شدة تأثير الحرب النفسية على الخصوم يقول القائد الألماني روميل "إن القائد الناجح هو من يسيطر على عقول أعدائه قبل أبدانهم".
ويعرض الباحث الحرب النفسية في القرآن الكريم, فالقرآن الكريم يمتلئ بالآيات التي زعزعت نفوس أعدائه وكشفت مخططاتهم وأخبرت بخفايا نواياهم في سرهم وعلانيتهم، ولذا فقد شعر أعداء الإسلام أن القران الكريم أقوي سلاح يملكه المسلمون.
ولقد حاولت قريش ومن بعدها اليهود والمنافقون شن حروب نفسية كثيرة لإضعاف همم ومعنويات المسلمين، فكان القرآن ينزل تعليما وتنبيها وتثبيتا للمؤمنين وتعيدهم للراحة النفسية قبل وبعد الحرب, ولا يزال القرآن يتمتع بهذه الخصيصة إلى يومنا هذا وحتى يرث الله الأرض ومن عليها.
ويتناول أساليب الحرب النفسية في القرآن الكريم ومنها الآتي:
1 – أسلوب الإشاعات
الشائعة هي الترويج لخبر مختلق لا أساس له من الواقع، أو مبالغة في تضخيم أو تقليل خبر صحيح أو تشويه خبر أو تفسيره بغير صحيح معناه تحقيقا لأهداف معينة, ومنها قوله سبحانه "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ" النور:19, واخطر شائعة مرت بالنبي شائعة الإفك في الافتراء على الطاهرة المطهرة السيدة عائشة زوج نبينا صلى الله عليه وسلم.
2 – أسلوب المجادلة
"وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإنسان أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً" الكهف:54، وهي الجدال بالباطل وهناك جدال بالحق "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" النحل:125، وقوله "وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ" العنكبوت:46.
3 – أسلوب السخرية والاستهزاء
وهو أسلوب قديم في الحرب النفسية مورس مع الأنبياء جميعا "وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ" هود:38.
4 – أسلوب إثارة الرعب والترويع
إثارة الرعب في النفوس وهي التخويف بأساليب مختلفة كما قال ربنا "سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ" ال عمران:151.
5 – أسلوب الخداع والتمويه
وهو التضليل والتمويه والحيلة أثناء مواجهة العدو, فمن أشهر أساليب المنافقين في الخديعة هو مسجد الضرار الذي فضحهم الله فيه فقال "وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ" التوبه:107, والإسلام أجاز الخداع في الحرب فقط ما لم يشمل نقض عهد أو إخلال بأمان.
6 – أسلوب التثبيط وتحطيم المعنويات
فمن أشهر ممارسات الكفار والمنافقين فيه ما قالوه قبل غزوة احد "الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ" ال عمران:173.
7 – أسلوب التعجيز والتحدي
للتعجيز والتحدي أثرهما العميق في الحرب النفسية لما لهما من دور كبير في إرباك الخصم، ويستخدم في الأمور المعنوية أكثر من المادية ومثاله "قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً" الاسراء:88.
8 – أسلوب إظهار القوة والتلويح وباحتمال استخدامها
ومثاله استعراض النبي للجنود يوم فتح مكة مما تسبب في الهزيمة المعنوية لجيوش المشركين.
ويختم الباحث بوصايا لكل أبناء المسلمين وكل من يهمه أمرهم من قادة وعلماء ومصلحين أن يستمسكوا جميعاً بكتاب الله وسنة رسوله الكريم صلي الله عليه وسلم، وأن يهتموا بشأن شباب الأمة الإسلامية من خلال التعليم الصحيح لمفاهيم الدين الإسلامي الحنيف، وتحريرهم من رق التبعية للشرق والغرب، والاهتمام بوسائل الإعلام بدراسة الأسباب التي جعلت الأمة الإسلامية اليوم في ركب التخلف والتبعية مع التركيز علي تعليم أبناء الأمة الإسلامية في المدارس والمعاهد والجامعات مفهوم ( الحرب النفسية).
وأخيرا يحذر كل الحذر من الإعلام الموجه إلي الدول الإسلامية والذي يرفع من شأن أعداء الإسلام ويظهر قوتهم وسيطرتهم علي العالم وعلي الجانب الآخر يظهر ضعف الأمة الإسلامية في المجالات المدنية والعسكرية؛ ليقتل في أبنائها روح القوة والفكر والإبداع.
فعلي المسلمين جميعاً أن يقفوا صفاً واحدا أمام هذا التيار الماكر وهذا الإعلام الغادر ولا يستسلموا لهذه المكائد أو تلك المصائد.
د. معن عبد الحق عارف
جزى الله الباحث الكريم خير الجزاء وجعل هذا العمل في صالح ميزانه