الريحان يصفه الغزيون بالذهب الأخضر
ربما لم يكن يتوقع الغزيون في يوم من الأيام أن تصبح هذه الأراضي الفسيحة (المحررات في خانيونس جنوب قطاع غزة) ملكاً لهم..لكن ذلك أصبح حقيقة واقعية بعد أن خرج منها الاحتلال مدحوراً عام 2005.
الأمر لم يتوقف عند هذه الحد بل زاد على قدرة القطاع المحاصر على الإنتاج والتصدير.. فصدق أو لا تصدق ..غزة المحاصرة فهي تنتج بل وتصدر أيضاً.
ويعاني قطاع غزة، الذي يقطنه مليون و800 ألف فلسطيني أكثر من نصفهم من الأطفال والنساء، من أزمات حادة في الخدمات الأساسية جراء انقطاع الكهرباء، ونقص الوقود، وغاز الطهي.
في إحدى هذه الأراضي التي يطلق عليها أهل القطاع "المحررات"، دشن الفلسطينيون مزارع أسماك تنتج في العام ما يقارب النصف مليون بذرة سمك من نوع "البلطي" بالونين الأحمر والأسود.
وحسب المهندس الزراعي رمزي أبو لبدة فهذا المشروع مربح ويدر دخلاً جيداً على المستثمرين، مشيراً إلى أن المشروع يوفر احتياجات أخرى مثل تربية الأسماك وتوفير المياه للمزارع وتوفير السماد للأشجار.
وشهد قطاع غزة نواً طفيفاً في مجال استثمار السمك من أنواع مختلفة أهمها البلطي والدنيس والقروط وغيرها.
وقال أبو لبدة لـ"إذاعة صوت الأقصى":"هناك ما يقارب عن 120 بركة لإنتاج الأسماك في القطاع"، منوهاً إلى أن لديهم مشروع لزيادة البرك وحث المزارعين على الاستثمار في مناطق مختلفة في القطاع.
وربما كانت هذه الأحواض الذي شاهدناها وهي موجودة منذ اندحار الاحتلال عن المحررات وتركها خلفه "مهترئة" لكن قطعاً نتداركها بالمثل الذي يقول (لا تطعمني سمكاً بل علمني كيف أصطاد).
وغير بعيد عن مزرعة الأسماك أنتجت وزارة الزراعة مشروع زراعة فطر عيش الغراب الذي ينتج في غرفة أشبه ما تكون بالبدائية وبأبسط المقومات والأساليب، بحسب المهندس أمجد الأغا مدير التجارب بالوزارة.
ولا ضير إن علمت أن الأغا حاصل على شهادة ماجستير في الإنتاج الزراعي ما يعني أن النجاح الأكيد لهذا المشروع والذي يقدر تكلفة إنتاجه بـ700 شيكل، ملمحاً بأن إنتاج هذا المشروع ما زال في بداياته.
تجولنا في مساحة واسعة زرعت بالنخيل المثمر والتي ما زالت بعضها يحمل ثمراً ناضجاً بين جنباته، أكثر من 12 ألف نخلة من أصل 50 ألف تكفي ما يقارب الـ5% من الناتج المحل.
ويطمح القائمون على هذا المشروع والذي ينتج بالشراكة ما بين وزارة الزراعة وجمعية الرحمة الكويتية على زيادة الإنتاج وإدخال خضروات وفواكهه جديدة تكون مصدر أساسي يغذي السوق الفلسطينية في مسعى للاكتفاء الذاتي من هذه السلع.
الذهب الأخضر
المفاجأة تركناها لك عزيزي القارئ في النهائية لتفاجأ بأن العملة الأوروبية (اليورو) تدخل في غزة واقتصادها.
ما أطلق عليه الغزيون (الذهب الأخضر) من الريحان والبصل الأخضر عالي الجودة، حيث يضعونه في كراتين مخصصة للتصدير ليستخدمها الأوروبيين في مستحضرات التجميل والبهارات الطبيعية.
مساحات خضراء شاسعة مترامية الأطراف قدرت بـ 20 دونم مزروعة بمختلف أنواع الريحان البلدي والبصل والثوم الطبي.
وفي وسط هذه الدونمات قال سليمان القهوجي أحد المستثمرين لإذاعتنا إنهم يستأجرون الدونمات الـ20 بملغ يقدر بـ1000 دولار للدونم الواحد تدفع للحكومة في قطاع غزة.
وأضاف:"يتم زراعة هذه المحاصيل بأعلى مستوى من المزارعين المتخصصين وبأجود أنواع البذور ويتم حصادها وتغليفها على أعلى مستوى ثم تصدر عن طريق معبر كرم أبو سالم لأمريكا وأوروبا".
ويقول القهوجي:"نزرع في هذه المساحة الواسعة ريحان وورق البصل والثوم والنعناع والتوابل كالكزبرة وغيرها ونُصدر كل أسبوع كمية من 700 – 800 كيلو لأمريكا عبر المعبر".
وأوضح أنهم يعانون من الإغلاق المستمرة لمعبر كرم أبو سالم مما يؤثر على بضائعهم بسبب تكدس الكراتين فوق بعضها وتلف بعض المنتوج مما يؤثر على العائد المالي.
ويقع معبر كرم أبو سالم شرق محافظة رفح جنوب القطاع تحت سيطرة الاحتلال الصهيوني بالكامل، ويُستخدم لتصدير وتوريد المواد الغذائية ومواد البناء وغيرها من وإلى غزة.
عملية تصدر الأعشاب الطبية من غزة لأمريكا عبر شرطة عرباه (الصهيونية) ويُطبع على المعلب الخارجي للمواد المصدرة أنها مستوردة من الأراضي الفلسطينية، وفق القائمين على المشروع.
ويعمل في المشروع الزراعي ما يقرب من 60 مزارعاً موزعين بين ثلاثون عاملاً في الزراعة وثلاثون آخرون في عملية التعبئة والتصدير.
استراحة متواضعة علقت عليها لافتات كتب عليها "من لا يشكر الناس لا يشكر الله" في إشارة على ما يبدو للدول التي ساعدت في إنتاج هذه المحاصيل مثل السعودية والبحرين والكويت وقطر وماليزيا ومصر.
ومن خلال هذه الجولة نجد أن غزة التي لا معبر لها ولا بحر ولا سماء احتضنت الأرض ودعتها لتبتسم لها في النهاية وتقول لساكنيها أنا منكم وإليكم.