لقد ساهم الكثير من الجزائريين في انتصار فرنسا على ألمانيا إبان الحرب العالمية الأولى (1914-1918) و التي استنفذت خلالها فرنسا الاستعمارية كل موارد الوطن مما تسبب في هجرة عدد كبير من السكان الأصليين الذين وجدوا أنفسهم في فقر مذقع.
لم يستفد مئات الآلاف من الجنود و العمال الجزائريين الذين جندوا بالقوة سواء في الجبهة أو في المصنع إلا من الفضلة مقابل هذه المشاركة الهامة في جهد الحرب إلى جانب فرنسا.
لكنه، و حسبما يؤكده المؤرخون، سمح وجود عدد كبير من الجزائريين في فرنسا باقتحام الحياة السياسية. انطلق تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية بمختلف ميولاته مع نهاية الحرب العالمية الأولى مشجعة بالثورة الروسية (أكتوبر 1917).
و أكد جيلبر مينيي في "تاريخ الجزائر إبان الفترة الاستعمارية" (البرزخ، 2012) أنه "من ضمن كافة المستعمرات الفرنسية، كانت الجزائر، إلى جانب إفريقيا الغربية الفرنسية، البلد الذي وفر أكبر قدر من الموارد المادية و الإنسانية لفرنسا الملتزمة في "الحرب الكبرى". و في المغرب العربي، طلب من الجزائر بذل أكبر جهد".
و أشار إلى أن هذا الجهد تمثل في تزويد فرنسا بأكبر جزء من رؤوس الأموال و أكبر جزء من المواد الغذائية المستوردة و حوالي ثلثي الرجال في الجبهة و 80 بالمائة من عمال المصانع.
و بفعل احتكار الجيش لعمليات اقتناء المواد الغذائية بشروط مفيدة و عمليات المصادرة التي تقوم بها عند رغبتها "ساهمت الجزائر في تموين فرنسا بأسعار زهيدة" من 1914 إلى 1918.
فقد تسببت اقتطاعات الجيش و ندرة اليد العاملة و الجفاف في تراجع محسوس للإنتاج الفلاحي الذي مهد لكارثة انسانية في الوطن.
و أشار السيد مينيي أن "الحصاد الكارثي لسنة 1917 و ذروة مصادرة المواد الغذائية تسببا في ظهور المجاعة من 1917 إلى 1918 في الوسط الشرقي للوطن. و خلفت ظاهرة المجاعة لسنة 1920 عشرات الآلاف من الضحايا (لاسيما في منطقة وهران)".
و توافد سكان الأرياف الذين طردوا من قراهم بفعل الفقر بأعداد كبيرة إلى المدن الساحلية و هو ما أدى إلى ظهور أولى الأحياء القصديرية.
قرابة 300000 شاب جزائري بفرنسا لم تكتف فرنسا الاستعمارية بتغذية سكانها على حساب الجزائر خلال النزاع بحيث أنها أرغمت كذلك الشبان الأصليين على التجند في الجبهة أو العمل في مصانعها.
تم تأسيس التجنيد في الجزائر في فيفري 1912 و كانت الكتل الشعبية مناهضة لهذا التجند. أثار رفض وجوب التجند في الجيش الفرنسي حركة هجرة كبيرة باتجاه بلدان الشرق الاوسط لاسيما سوريا على غرار "هجرة تلمسان سنة 1911".
بيد أن نخبة "السكان الأصليين" رحبوا بذلك بعد أن أغرتها السلطات الفرنسية التي وعدت بكل الحقوق السياسية "لمسلمي الجزائر" مقابل "ضريبة الدم".
منذ بداية الحرب، جندت فرنسا جزء من الوحدات قبل الانتقال في شهر سبتمبر 1916 إلى الادماج الكلي لمجندي طبقة 1917. أثار هذا القرار حركات احتجاجية و حالات فرار من الجندية و حالات تمرد و كذا حركات هجرة.
و هز هذا الاحتجاج منطقة الأوراس في منتصف نوفمبر 1916 خلال عملية تمرد قمعها بوحشية جيش الاستعمار الذي أرسل معتقلين إلى الجبهة.
و من 1914 إلى 1918، جند الجيش الفرنسي في صفوفه 500 85 شاب جزائري مجند و 519 86 متطوع (يعينهم القائد) أي مجموع 019 172 جندي. كانت الخسائر ثقيلة: 711 25 قتيل (5ر14 بالمائة من مجموع القتلى في الجيش الفرنسي) و 035 72 جريح من بينهم 8779 معطوب بنسبة 100 بالمائة.
أخرج السكان الأصليين الجزائريين من قراهم و أجبروا على العمل في "مصانع الدفاع الوطني" بفرنسا.
و في سنة 1914، قدر عدد العمال الجزائريين لفرنسا ب15000 عامل، حسبما ذكره السيد جيلبر مينيي، مشيرا إلى أن عددهم ارتفع إلى حوالي 000 120 في غضون أربع سنوات. خلال "الحرب الكبرى"، أقام 000 292 جزائري بفرنسا التي كانت اكتشافا بالنسبة للعديد منهم.
و أضاف "تعرف هؤلاء الجزائريين على فرنسيين و فرنسيات و اقتحموا الحياة المهنية و أصبحت لهم عادات قليلة المقارنة بالنظام الاستعماري". و لم يتأخر هاجس "عامل فرنسا" عن إثارة انشغال الشرطة الفرنسية التي عبرت، حسب مختلف قراراتها، عن قلقها بشأن "التفكير الجديد للسكان الأصليين".
يرى السيد مينيي أن هذا "التفكير" هو الذي أدى إلى استحداث أول حركة وطنية مهيكلة سنة 1926 بفرنسا تمثلت في نجم شمال إفريقيا الذي ناضل منذ البداية لصالح الاستقلال الوطني.
و في الأخير، تحولت وعود منح حقوق المواطنين للجزائريين مقابل "ضريبة الدم"ّ إلى إصلاحات سطحية. و الأسوأ من ذلك هو أن الترتيبات التي جمدت سنة 1914 من قانون السكان الأصليين أعيد إدراجها في أوت 1920.
في 1923، أرغم الأمير خالد على مغادرة الجزائر و الإقامة بمصر. و بقيت الرسالة التي وجهها سنة 1919 إلى وودرو ويلسن، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية و مدافع عن "حق الشعوب في تقرير مصيرها" و التي طلب منه فيها بتطبيق هذا المبدأ في الجزائر حبرا على ورق.