احترام قوانين المنتدى : أعلام الدول : عدد الرسائل : 2784 العمر : 39 تاريخ التسجيل : 14/10/2011
موضوع: الخلافات الأسرية الخميس أغسطس 22, 2013 3:14 pm
بين الإسلام منهاجاً شرعياً لحل الخلافات التي قد تنشأ بين الزوجين، فإذا تعذّر عليهما الإصلاح بينهما إلى درجة يُخشى عليهما فيها التنافر والتباعد وجّه الشرع الحنيف إلى اختيار حكم من أهل الزوجة وحكم من أهل الزوج، لينظرا في أمرهما ويحكما، سعياً نحو الإصلاح ويعملا على ردم هوة الخلاف بينهما. قال الله عزّ وجلّ في سورة النساء الآية 35 (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا). وقد ردّ في تفسير الطبري في شرح معنى الشقاق بين الزوجين "قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا...) وإن علمتم أيّها الإنسان شقاق بينهما، وذلك مشاقة كل واحد منهما صاحبه، وهو إتيانه ما يشق عليه من الأمور، فأمّا من المرأة فالنشوز وتركها أداء حق الله عليها الذي ألزمها الله لزوجها، وأمّا من الزوج فتركه إمساكها بالمعروف أو تسريحها بإحسان. والشقاق مصدر من قول القائل شاق فلان فلاناً، إذا أتى كلّ واحد منهما إلى صاحبه ما يشق عليه من الأمور، فهو يشاقه مشاقة وشقاقاً وذلك قد يكون عداوة". هذا وتبين الآية الكريمة طبيعة دور الحكمين، وهو السعي في الصلح والإصلاح بين الزوجين، فإن نجحا في ذلك كان خيراً وبركة، وإذا فضلا ينتهي دورهما وتشرع المحكمة في متابعة الحالة والنظر في دعوى الطلاق. إلا أنّ الواقع المُشاهَد يدخل أحياناً على أنّ هذا الدور قد يغيب عن أذهان البعض، عندما يتصوّر كل حكم أنّه إنّما مكلف بالدفاع عن الزوج أو الزوجة، وأنّ مهمته تنحصر في تبرئة ساحته من أي خطأ أو تقصير، وتحميل الطرف الآخر مسؤولية الخلاف، وهو الأمر الذي يتعذر معه الإصلاح، وغالباً ما يؤول الأمر إلى الطلاق. وفي سبيل توضيح طبيعة دور الحكمين، وبيان أهمية هذا الدور،الدكتور أحمد بن عبدالعزيز الحداد. · نجد في القرآن الكريم صيغة فريدة في تدرُّجها تبين كيفية التعامل مع الخلافات الزوجية، على ماذا يدل ذلك؟ - الشريعة الإسلامية أرادت أن تكون الأسر متماسكة، فحاولت بناءها بكل ما يبقيها ويحفظها من التصدّع ثمّ الإنهيار، ومن هنا جعلت وسائل كثيرة لترميم بيت الأسرة عند بدء تصدّعه، ابتداء بالوعظ ثمّ الهجر ثمّ الضرب غير المبرِّح، فإن لم تُجدِ كل هذه الوسائل نفعاً، فيتدخل أهل الزوجين للبحث في قضايا الخلاف فإن وجدوا سبيلاً للتوفيق وترميم البيت فعلوا، فإن لم يجدوا سبيلاً لذلك فرقوا بالمعروف، وهذا ما بينه الحق سبحانه بقول تعالى في سورة النساء الآية 35 (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا)، وذلك بعد أن ذكر الله عزّ وجلّ المراحل الأولى بقوله تعالى في الآية 34 من سورة النساء (... وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا). · ما هو المقصود بقول الله تعالى في الآية 35 من سورة النساء (... حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا...)؟ - المراد بذلك أن يبعث القاضي حكماً عن كل طرف، من ذوي العدل والعقل والخبرة، لديه أهليه القضاء، يكونان من قوم كل منهما إن أمكن، لأنّ الأقارب أعرف ببواطن الأمور، وأدرى بأحوال الزوجين، وأطيب للإصلاح، ونفوس الزوجين أسكن إليهما، فيبرزان لهما ما في ضمائرهما من الحب والبغض وإرادة الفرقة أو الصحبة. فإن لم يمكن فمن قوم آخرين، فيجتمعان بعد أن يعرف كلّ واحد مطلب صاحبه وشكايته، فيتدارسان الأمر، فإن وجدا سبيلاً للمِّ الشمل وإصلاح الوضع فعلا، وإن لم يجدا سبيلاً لذلك فرقا بينهما بطلقة بائنة، ويمضي القاضي حكمها الذي انتهيا إليه، كما قضى بذلك الإمام علي (ع). فقد جاء إليه رجل وامرأة مع كل واحد منهما فئام من الناس أي جماعة، فلما بعث الحكمين قال: "رويدكما حتى أعلمكما ماذا عليكما، هل تدريان ماذا عليكما؟ إنكما إن رأيتما أن تجمعا جمعتما، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما، ثمّ أقبل على المرأة فقال: "قد رضيت بما حكما؟" قالت: نعم رضيت بكتاب الله عليَّ ولي، ثمّ أقبل على الرجل فقال: "قد رضيت بما حكما؟" قال: لا، ولكن أرضى أن يجمعا ولا أرضى أن يفرقا. فقال علي (ع): "كذبت والله، لا تبرح حتى ترضى بمثل الذي رضيت". وهذا النص عمدة الباب في الحكمين. · ما هي مواصفات الحكم؟ ومن الذي يختاره أو يرشِّحه للقيام بهذه المهمّة؟ - الحَكم كالقاضي فيُشترط فيه من العدالة والذكورة والعلم والنباهة ما يشترط في القاضي لأنّه يقوم بدوره، ومن هنا يقسم أمامه أن يحكم بالحق والعدل. واختلف أهل العلم هل هو وكيل عن الزوج أو الزوجة، أم هو وكيل عن القاضي؟ والذي نراه أنّه وكيل القاضي وله صفته، وعليه أثره، بخلاف ما إذا قيل إنّهما وكيلان عنهما، فإنّهما بناء على ذلك لا يطلقان، بل يرفعان الأمر إلى القاضي وهو الذي يطلق. · ما هو.. ومَنْ هو المقصود بقول الله تعالى في الآية 35 من سورة النساء (... إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا...)؟ - المراد بذلك الحكمان، كما ذهب إلى ذلك ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وغيرهما. والمعنى: أن يُرد الحكمان إصلاحاً يوفق الله بين الزوجين. وقيل: المراد الزوجان، أي إن يُرد الزوجان إصلاحاً وصدقاً في ما أخبرا به الحكمين، وهذا ما يدل عليه سياق الآية الكريمة وقيل: الأولياء. · إلى أي حد تُعتبر النتائج التي يتوصل إليها الحكمان، ويتفقان عليها، مُلزمة ويتعيّن الأخذ بها؟ - نتائج التحكيم على ما هو الراجح، كما تقدم أنّهما قاضيان، وهو ما أخذ به قانون الأحوال الشخصية، ملزمة فعلى القاضي الإلزام بما انتهيا إليه. · ما هو تعليق فضيلتكم على الملاحظات أن تدخُّل الحكمان لا يكون بقصد الإصلاح، بل بقصد التفريق بين الزوجين وإنهاء الزيجة، وأن كلاً منهما يتصوّر أنّه محامٍ عن الزوج أو الزوجة فيدافع عنه ويبالغ في توجيه الاهتمامات إلى الطرف الآخر وإلقاء اللوم عليه؟ - هذا خلاف الأصل في عمل الحكمين، والمتعين أن يبحثا جميعاً عن سبل الإصلاح، لا التفريق إلا عند العجز عن ذلك، وأن يتحريا العدل فيهما، لا المحاماة، وقد يحصل هذا ممّن لم يتصف بالصفات اللازمة للحكم المبنية آنفاً، ولو كان متصفاً بها فقد لا يحدث مثل ذلك. · ما جدوى أن يعي الناس طبيعة وأهمية هذا الدور؟ - على القاضي أن يبيِّن للزوجين دور الحكمين، وعليهما كذلك أن يبيناه لطرفيهما، حتى يكون الجميع على بينة من الأمر.