يعادل مصطلح الإستصلاح، هيئ الشيء يعني أعده وتعني كذلك تدخل الإنسان على المجال من أجل تهيئته، والتهيئة كما جاء في معجم المصطلحات الجغرافية للدكتور يوسف التوني "بأن التهيئة هو تنظيم خاص تسترشد به الدولة في تنظيم العلاقة بين أقاليمها المتباينة لتحقيق تكافئ الفرص لكل إقليم وإبراز مواهبه وإمكانياته الجغرافية الكامنة ودعم شخصيته المحلية أو إعادة التوازن بين الأقاليم المختلفة داخل الدولة.
أما الدكتورPierre George في قاموسه الجغرافي يعرف التهيئة الإقليمية بأنها عبارة عن عمل مخطط لتنظيم الإقليم.
المؤسسات والهيئات المعنية بالتهيئة الإقليمية
لقد أصبحت سياسة التعمير وتهيئة المجال في الآونة الأخيرة ينظر إليها كأحد الركائز الأساسية التي تقوم عليها التنمية البشرية باعتبارها الرهان الكبرى التي اتخذتها الدولة على عاتقها. ولتطبيق وتجسيد هذه الرهائن لابد من توفير مؤسسات وهيئات مختصة بتهيئة الإقليم.
1-الوزارة المختصة:
حاليا لدينا وزارة تهيئة الإقليم والبيئة وتمثل الجهاز المركزي والمسؤول الأول على كل برامج التهيئة العمرانية سواء تعلق الأمر بالجانب التشريعي أو البرامج والمخططات.
2-المديريات والوكالات:
- لدينا 48 مديرية مختصة بالتهيئة العمرانية بمعني لكل ولاية مديرية "مديرية التخطيط والتهيئة العمرانية D.P.A.TDirection de planification et de l’aménagement du territoire وهي تشرف على تحديد مجال الولاية والقيام بمختلف الدراسات الطبيعية البشرية والإقتصادية لمجالها الإقليمي ومن منجزاتها المنوغرافيات الخاصة بكل ولاية.
- أما فيما يخص الوكالات فلدينا "الوكالة الوطنية للتهيئة الإقليمية" من مهامها تتبع الأدوار التي تضطلع بها الوكالةفي مجال التعمير والتهيئة العمرانية يجعلنا نميز بين نوعين من تلك الأدوار أو الوظائف:
الأول: شامل يتمحور حول المساهمة إلى جانب فاعلين آخرين في وضع التوجهات العامة للسياسة الحكومية في تهيئة الإقليم، ومراقبة تنفيذها داخل نفوذها الترابي كأداة لضبط ترشيد إستعمال المجال الحضري والحد من الإستغلال العشوائي له، بالإضافة إلى التنسيق بين مختلف المتدخلين على المستوى المحلي.
والثاني: تقوم به كجهاز فني يتولى تقديم المساعدة والإستشارة التقنية لصاحب القرار (الجماعات المحلية).
3-الجماعات المحلية:
وعلى رأسها الولايات والبلديات المسئولة على تجسيد وتطبيق والحرص على تنفيذ كل البرامج التخطيطية وتجسدها عن طريق تطبيق أدوات التهيئة والتعمير والمتمثلة في المخطط الولائي للتهيئة والتعمير PAW المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير PDAU ومخطط شغل الأراضي POS وكل من الأدوات السابقة تستمد شرعيتها من المخطط الوطني للتهيئة والتعمير SNAT والمخطط الجهوي للتهيئة والتعمير SRAT.
ومما سبق يمكن إعتبار الولايات في الجزائر كوحدات للتهيئة العمرانية والتخطيط الإقليمي للأسباب التالية:
- توفر الإحصائيات حسب التقسيمات الإدارية.
- وجود المديريات المختصة على مستوى الولاية.
التهيئة العمرانية وعلاقتها بالإستصلاح الإقليمي
يعتبر الإقليم موضوع مشترك بين التهيئة والإستصلاح فكلاهما يدرس نفس الإقليم غير أن مهمة الإستصلاح الإقليمي الدراسات الشاملة للموارد الطبيعية الإقتصادية والبشرية في الإقليم الحالي مع وضع خطة شاملة لمستقبل الإقليم وبالتالي فإن الإستصلاح الإقليمي يصمم مستقبل الإقليم على ضوء حاضره والتهيئة العمرانية تناقش توازن الشبكة العمرانية، وتخفيف الضغط عن الأقاليم العمرانية والمدن الكبرى، ومدى إنعكاس ذلك على نمو وتوازن، الشبكة العمرانية بصفة عامة وشبكة المدن بصفة خاصة، وعلى توزيع السكان والأنشطة والخدمات، وإلى أي حد تمكنت الدولة من الترجمة الفعلية للتخطيط الإقليمي والتوزيع العادل للإستثمارات على مختلف أقاليم البلاد، ومدى تحقيق التنمية العمرانية والإقتصادية المتوازنة على المستويين الإقليمي والوطني.
تهدف التهيئة العمرانية على مستوى المدينة أو الإقليم أو الوطن إلى تحقيق الآتي:
- توزيع مشاريع التعمير والتنمية بما يتلاءم وخصائص المواضع.
- عدالة التوزيع بين مناطق وأقاليم الوطن.
- تحقيق الجدوى الإقتصادية.
- التنمية العمرانية والإقتصادية- الإجتماعية بكل إقليم وفي مجموعة أقاليم البلاد.
- تحقيق التنمية المستدامة، والمحافظة على البيئة والموارد النادرة وضمان الحاجات المستقبلية للسكان.
التهيئة العمرانية في الجزائر:
بدأ اهتمام الدولة الجزائرية بقضايا التهيئة العمرانية مبكرا نوعا ما، حيث تعود المرجعية النظرية لفلسفة وإستراتيجية التهيئة العمرانية إلى مرحلة الحرب التحريرية وبداية الإستقلال، حيث أشارت كل مواثيق الثورة والدولة الجزائرية إلى حساسية هذا الموضوع، إبتداء من برنامج طرابلس 1962 إلى ميثاق الجزائر عام 1964 إلى الميثاق الوطني عام 1976 و1986، والتي أشارت جميعها إلى الأسس والمبادئ العامة لفلسفة التهيئة العمرانية ودور الدولة والمتعاملين الإجتماعيين، وحددت الأهداف المسطرة لعملية البناء الوطني.
وقد ركزت هذه البرامج والمواثيق على مفهوم عدم التوازن الجهوي وأبعاده الإقتصادية والإجتماعية، وتحلله عل أساس أولويات التنمية وما ترتب عنها من فروقات وإختلالات ولدت مناطق محرمة تعيش على هامش (التنمية، خاصة في المناطق الداخلية والأرياف والمناطق الجبلية، وكانت الحلول المطلوبة تتمثل في تغيير الظروف الموروثة عن الإستعمار، والتي أدت إلى التخلف والحرمان، للنهوض بالمناطق المتخلفة وإدماجها في التنمية الوطنية.
أولا- المراحل:
مرت التهيئة العمرانية في الجزائر بمراحل نوجزها في الآتي:
المرحلة الأولى:
ورثت الجزائر أوضاعا سيئة عن العهد الإستعماري، تميزت بفقدان العدالة في توزيع المكاسب والمواد على أنحاء البلاد، حيث ركز الإستعمار إهتمامه بإقليم الساحل ومناطق إقامة المستوطنين في توطين الأنشطة والخدمات، خاصة حول الموانئ التي كانت تشكل حلقة إتصاله بفرنسا، تاركا باقي أنحاء الوطن تعيش حياة تقليدية زراعية، يسود فيها الفقر والحرمان.
وبعد الإستقلال مباشرة إزدادت هذه الفوارق مدة، بفعل الهجرة الكبيرة للسكان الجزائريين صوب المدن والمناطق الشمالية، لأنها كانت تشكل أكثر المناطق تجهيزا في البلاد حيث تضخمت المدن وبرزت العديد من المشكلات الإجتماعية كالبطالة والأنشطة الطفيلية.
ولمواجهة هذا الوضع، إتخذت الدولة سلسلة من الإجراءات الإصلاحية، كان أهمها تنفيذ عدد من البرامج الخاصة لتنمية المناطق المحرومة، التي عانت ويلات الحرب والفقر حيث إستفادت ثمان ولايات من برامج تنموية واسعة في الفترة من1966 إلى 1973.
كما حاولت الدولة توظيف عوائد البترول والثروات المعدنية في إقامة إقتصاد وطني قوي، حيث أولت الأهمية للقطاع الإنتاجي عن طريق إقامة العديد من المستعمرات الصناعية على شكل أقطاب كبرى للصناعة الأول حول محور عنابة قسنطينة سكيكدة والثاني حول محور العاصمة، رويبة، رغاية، والثالث حول محور آرزيو، وهران، مستغانم.
وكان هدف هذه الأقطاب الصناعية، تطوير وتحديث منطقتي الشرق والغرب الجزائرية ومنطقة العاصمة، والقضاء على البطالة، وخلق نوع من التوازن بين جهات الوطن.
لكن هذا التوجه الذي تركز على إقليمي الساحل والتل، دعم بصورة غير مباشرة التوجه الإقتصادي والعمراني الموروث عن فترة الإستعمار، حيث رفع من قدرة وكفاءة هذين الإقليمين على صعاب المناطق الداخلية، وزاد بالتالي في تعميق الفجوة.
وأهم ما يلاحظ على هذه الفترة، هو غياب إستراتيجية رسمية للتهيئة العمرانية في الجزائر، حيث أن كل الإجراءات التي إتخذت كانت تتم في غياب خطة شاملة ومتكاملة للتنمية العمرانية. ومن سلبيات هذه الإجراءات أيضا، أنها إستهلكت الأراضي الزراعية الجيدة في شمال الجزائر، مثل سهول متيجة وعنابة وسكيكدة ووهران.
وهكذا فشلت هذه الأقطاب في أن تلعب الدور الذي خطط لها، والمتمثل في إنعاش إقتصاديات المناطق التي وطنت بها، تحولت إلى مراكز إستقطاب، إستحوذت على كل الموارد، وإستنزفت إمكانيات محيطها.
ويعود السبب المباشر في فشل هذه الإجراءات، إلى أنها لم تتم ضمن منظور شامل للتنمية العمرانية المتوازية، حيث لم تأخذ في الحسبان العلاقات القائمة بين الوسط الريفي والحضري، والإختلافات القائمة بيم المناطق الشمالية والداخلية، ولم تعتمد على إمكانيات وحقائق كل إقليم وعلاقاته بالأقاليم الأخرى
07.10.201301:40:16