عمليات الضباب في منطقة القبائل.
§ - عمليات التاج )لكورون) على جبال الونشريس.
§ - عمليات المجهر أو المنظار على جبال الشمال القسنطيني.
§ - عمليات الأحجار الكريمة على جبال الشمال القسنطيني.
§ - عمليات الشرارة على مناطق جبال الحضنة بقيادة الجنرال شال شخصيا.
وإلى جانب كل هذا لجأ الإستعمار إلى الإكثار من المحتشدات وتهجير السكان ليفصل بينهم وبين جيش التحرير الوطني. كما قام الجنرال ديغول بطرح مشروع قسنطينة الإقتصادي سنة 1958 بهدف خنق الثورة على أساس أن أسبابها إقتصادية إجتماعية في نظره، فقرر ديغول توزيع الأراضي الصالحة للزراعة على الجزائريين وإقامة مشاريع صناعية وسكنية وتعليمية. كما حاول القضاء على الثورة سياسيا بطرح فكرة "سلم الشجعان" . أما بالنسبة للثورة الجزائرية فقد تواصلت بكل قوة وازداد التلاحم الشعبي بها لا ادل على ذلك من المظاهرات الشعبية العارمة في 11 ديسمبر 1960م الرافضة لمحاولات الإغراء التي أنتهجها ديجول.
ولمواجهة مشروع شال الذي بدا في فبراير 1959 اعتمدت الثورة على أساليب عسكرية جديدة منها الإكثار من العمليات الفدائية داخل المدن والإعتماد على حرب الكمائن، ونقل العمليات الفدائية إلى قلب فرنسا نفسها بضرب المنشآت الإقتصادية والعسكرية ومما دعم ذلك وقوف المهاجرين الجزائريين في فرنسا إلى جانب الثورة و مساعدة بعض الأوساط الفرنسية .ولعل أبرز مثال على ذلك هو ما حدث يوم 17 أكتوبر 1961م.
وفي هذه الأثناء كانت الثورة تستكمل بناء تنظيماتها وهياكلها فقامت في 19 سبتمبر 1958م بالإعلان رسميا عن تشكيل أول حكومة مؤقتة للجمهورية الجزائرية التي ترأسها فرحات عباس في البداية ثم خلفه بن يوسف بن خدة في اوت سنة 1961م وهذا بسبب اقتناع قيادة الثورة بأن التمثيل أصبح ضروريا في مثل هذا المستوى لحمل الدولة الفرنسية على تغيير سياستها تجاه الجزائر و تحقيق انتصارات أخرى على الصعيد الديبلوماسي ، ولإقتناع الثورة أيضا بأن التحضير للإستقلال صار ضروريا هو الآخر.
مـرحـلـة الـتـفاوض و تقرير المصير :
سلم الجنرال ديغول بعد استعمال كل الوسائل بضرورة فتح مفاوضات مع الثورة الجزائرية على أساس مبدأ تقرير المصير فطرح الموضوع على الشعب الفرنسي الذي صادق عليه في استفتاء 8 جانفي 1961م، وكان رد فعل قادة الجيش الفرنسي سريعا إذ أعلن أربعة ضباط فرنسيون التمرد على حكومتهم يوم 22 أفريل 1961م الامر الذي كاد ان يوقع فرنسا في حرب اهلية حقيقية إلا أن الإنقلاب فشل في غضون أيام قليلة. ولكن قبل أن يدخل الجنرال ديغول جديا في عملية التفاوض سبق له أن دعا إلى محادثات في "مولان" في الفترة مابين 25 و29 جوان 1960م إذ أرسلت الحكومة الجزائرية مبعوثين هما محمد الصديق بن يحيى وأحمد بومنجل إلا أن اللقاء لم يكتب له النجاح بسبب المعاملة غير اللائقة التي عومل بها الوفد الجزائري في باريس.
فوض إذن الشعب الفرنسي لرئيسه أمر "تحقيق تقرير المصير " فبدأت الاتصالات الأولى بين مبعوثين فرنسيين منهما )جورج بومبيدو (G.Pompidou) (الذي أصبح رئيسا خلفا لديغول) ومبعوثين جزائريين هما أحمد بومنجل والطيب بولحروف. لكن المناورات الفرنسية لم تغب عن هذه الاتصالات الأولى التى بدأت فى 30/3/1961م . في سويسرا، وفى 11/4/1961م صرح الجنرال ديغول " إن الجمهورية الجزائرية ستكون لها سيادة فى الداخل والخارج" وذلك كمحاولة لتقريب وجهات النظر وكمناورة لفرض الشروط الفرنسية فيما يتعلق بمسائل جوهرية مثل:
- §مفهوم التعاون الذي يراه ديغول "شراكة ". حقوق الفرنسيين المقيمين التي يراها ديغول متميزة قد تصل الى تخصيص جزء من البلاد لهم ، من ذلك جاءت فكرة التقسيم والمشاريع العديدة الى وضعت فى هذا الشأن مثل مشروع "بيرفيت" "A.Peyrefitte ".
-§ وحدة التراب الوطني التي يراها ديغول دون الصحراء التي يعتبرها فرنسية.
وأمام هذه المطالب انسحب الوفد الجزائري معتبرا الهوة شاسعة بين الطرفين ، ويتجدد اللقاء بعد شهرين فى 20/5/1961م بافــيـان ولوغران "Evian/Lugrin" فتغيرت شروط الفرنسيين بعض الشئ إذ استبدل مفهوم الشراكة بالتعاون، مع بقاء الخلاف حول الوحدة الترابية ووحدة الشعب الجزائري، وتنقطع المفاوضات مرة أخرى لتعود فى سبتمبر 1961م فى نفس المكان، وتراوغ السلطات الفرنسية إلى أن ينتهي بها الأمر إلى الاعتراف نهائيا بوحدة التراب الوطني وبوحدة الشعب الجزائري، وذلك فى آخر مرحلة من مراحل المفاوضات في بداية مارس 1962م، ولكنها كانت قد قامت بمسعى أخير لتفريق الصفوف بمحاولة كسب تأييد شعبي لمشروع فصل الصحراء عن الجزائر ولكن المشروع قوبل بالرفض من طرف الأعيان وكذلك من طرف الشعب الذي خرج فى ورقلة فى مظاهرة شعبية عارمة، فاضطرت الى تسليم موافقتها على ما اتفق عليه.
وهكذا دعي المجلس الوطني للثورة الجزائرية للمصادقة على مشروع الاتفاقيات التي وقعت فى 18/3/1962م على الساعة الخامسة والنصف بعد الظهر وعرفت بــ" اتفاقيات إفيان " وبذلك تطوى صفحة الاستعمار فى الجزائر. لكن المتربصين بالجزائر لم يتركوا لها فرصة تضميد الجراح ، فقد عمدت " منظمة الجيش السري " "OAS"إلى تطبيق سياسة الأرض المحروقة ووجهت ضرباتها إلى الطاقات الحية فى البلاد وكذلك إلى كل المنشآت التي يمكن أن يستفيد منها أبناء الشعب في ظل الاستقلال والحرية، فاغتيل الرجال وأحرقت المدارس والجامعات والمكتبات. وبعد التوقيع على الاتفاقيات أعلن عن توقيف القتال الذي دخل حيز التطبيق يوم 19 مارس 1962على الساعة الثانية عشر. وشرعت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في الترتيب لاستفتاء تقرير المصير ولإعلان الاستقلال فى 5/7/1962م أي مباشرة بعد إعلان النتائج، ووجه الجنرال ديغول فى هذا اليوم رسالة إلى السيد " عبد الرحمن فارس " رئيس الهيئة التنفيذية المؤقتة التي أشرفت على تسيير المرحلة الانتقالية، أرسل له رسالة كان نصها : "نظرا للنتائج التى أسفر عنها استفتاء تقرير المصير فإن الصلاحيات الخاصة بالمقاطعات الفرنسية السابقة فى الجزائر تحول ابتداء من اليوم الى الهيئة التنفيذية المؤقتة للدولة الجزائرية...".
الجزائر عشية الاحتلال
كانت الجزائر خلال العهد العثماني من أقوى الدول فى حوض البحر الأبيض المتوسط، وذات مكانة خاصة فى الدولة العثمانية ،إذ كانت تتمتع باستقلال كامل مكنها من نسج علاقات سياسية وتجارية مع أغلب دول العالم، بل وهي أول دولة اعترفت بحكومة الثورة الفرنسية عام 1789 م وبالثورة الأمريكية بعد استقلالها عن التاج البريطاني عام 1776م. كان الإسم الحقيقي للدولة الـجـزائـريـة هو "أيـالـة الجــزائر" أو " مملكة الجزائر"، وبهذه الأسماء أبرمت عشرات المعاهدات مع دول العالم.
كما بلغ أسطولها البحري قوة عظيمة بحيث استطاع خلال القرن الثامن عشر إحداث نظام للملاحة فى المتوسط يضمن أمن الدولة الجزائرية خاصة والدولة العثمانية عامة وبصورة أعم بالنسبة للتجارة الدولية فى هذا البحر، وهو ما جعل الدول الأوربية تعمل على إنهاء هذا النظام تحت غطاء إنهاء ما كان يسمى بـ " القرصنة " التي كانت تمارسها جموع المغامرين الأوربيين بموافقة دولهم ومؤازرتها لهم. في حين أن ذلك كان أسلوبا دفاعيا لمواجهة المد الاستعماري الذي انطلق منذ القرن الخامس عشر-حملة شارل الخامس على الجزائر 1541- والذي دخلت الجزائر بمحض اختيارها من أجله ضمـــن "السلطة العثمانية " وتحت حمايتها.
-النظام الاداري:
أخذت ولاية الجزائر شكلها الأخير في عهد الباشاوات و الدايات وصار يوجد في المركز إلى جانب الولاية ديوان هو عبارة عن مجلس للشورى وكان أهم أعضائه المتألف من خمس موظفين هو المسئول عن الخزينة والناظر لشؤون المالية ، ويأتي بعده المكلف بالشؤون البحرية ، و يسمى وزير البحرية . وكان يقوم بمهمة كتابة الديوان أربعة كُتَّاب ، اما خوجة الخيل فكان يشكل حلقة وصل بين الحكومة و الشعب.كما أدى استحداث نظام التشريفات مع نهاية القرن 18 اثر في توفير الاستقرار و الهدوء للسلطة بعد سلسلة الاغتيالات التي طالت الدايات .كما ظهر في هذه الفترة اللبنات الأولى لجهاز تنفيذي يشبه مجلس الوزراء وهي الهيئة التي كان يطلق عليها اسم الديوان أو مجلس الداي السري و في داخلها تبلوت عدد من المصالح الإدارية.
قسمت الولاية إلى ثلاثة أقاليم – إقليم الشرق و الغرب و التيطري- بالإضافة إلى الإقليم المركزي الذي يدعى دار السلطان ، وكان يوجد على رأس كل واحد من هذه الاقاليم ما يُسمَّى بالباي.
أما أمن البلاد في الداخل فكان تؤمنه القبائل المعفاة من الضرائب والمتمتعة بالامتيازات ، إذ كانت وظيفة هذه القبائل المسماة بالمخزن هي فرض الطاعة على القبائل الأخرى الملزمة بدفع الضرائب.
ومن مظاهر استقلال الجزائر قبل هذه الفترة و خلالها هو ان الداي كان:
- يعقد الاتفاقيات الدولية.
- يستقبل البعثات الديبلوماسية –القناصل-
- و يعلن الحرب و يبرم معاهدات السلام.
الوضع السياسي الداخلي:
تميز الوضع الداخلي للجزائر مع مطلع القرن التاسع عشر بعدم الاستقرار حيث تعرضت البلاد في هاته الفترة إلى سلسلة من الفتن اندلعت في مختلف المناطق كانت أخطرها تلك التي نشبت في شمال بايلك الشرق، و كذلك تلك التي اندلعت في المقاطعة الغربية تحت راية الطريقة الدرقاوية.
في سنة 1803 نشبت ثورة عارمة في منطقة الشمال القسنطيني بقيادة مغامر يدعي ابن الاحرش و التي كانت خيوطها قد أحيكت من خارج البلاد .لقد قام حمودة باشا باي تونس الذي كان في خلاف مع الحكومة الجزائرية بتجهيز ابن الاحرش لإشعال نار الفتنة في بايلك الشرق.امتد لهيب الفتنة حتى مدينة قسنطينة عاصمة الإقليم التي كادت أن تسقط بين يديه لولا المقاومة التي أبداها السكان في الدفاع عن المدينة.كما تمكنت القوات الحكومية من محاصرة هذه الثورة و تضييق الخناق عليها دون التمكن من القضاء عليها تماما.عند منتصف العشرينات من القرن نجد أن القنصل الفرنسي بيير دوفال يفكر في كيفية توصيل الأسلحة لهؤلاء المتمردين في إطار خطة تهدف إلى القضاء على الدولة و تشتيت شمل أقاليمها.
إن ثورة الدرقاوة في بايلك الغرب لم تكن اقل خطرا على البلاد من ثورة ابن الاحرش في الشرق . وخيوط هذه الفتنة نسجت هي الأخرى من الخارج. لقد قام احد أتباع الطريقة الدرقاوية و يدعى محمد بن عبد الله باستشارة شيخ الطرية التي مقرها في المغرب حول شرعية قيامه بعصيان ضد الحكم المركزي في الجزائر فأجاز له ذلك.و على اثر ذلك قام بإشعال الثورة في المقاطعة الغربية. كما استعلت نار العصيان كذلك في مناطق النمامشة و الاوراس ووادي سوف بين 1818 و 1823 . و عندما أصيبت البلاد بفاجعة الغزو الفرنسي كانت جراح الايالة لم تلتئم بعد.
علاقات الجزائر الخارجية:
لقد ارتكزت الدبلوماسية الجزائرية في علاقاتها مع الدول الأوربية خلال الثلث الأول من القرن التاسع عشر على جملة من المبادئ الأساسية تعود إلى القرن السادس عشر نوجزها فيما يلي:
-/ التعاقد المتكافئ مع أي طرف كان: لم تعقد الجزائر مهما كانت الظروف أي اتفاقية في حالة ضعف.
-/ الوفاء بالعهد و التقيد بالالتزام بشروط الاتفاقيات.
- / اعتبار حالة السلم هي الحالة الطبيعية في العلاقات الدولية و الحرب هي حالة استثنائية و المساواة في التعامل مع جميع الدول على حد سواء ، والالتزام بسياسة الحياد في الصراعات الأوربية منذ القرن 17.
و مع ذلك واجهت الجزائر ظروفا جد حرجة بسبب الصراع المتأجج في أوربا ، و خاصة منذ سنة 1800 حين قامت الجزائر بإبرام هدنة مع فرنسا وقد كانت في حالة حرب معها بسبب غزوها لمصرفي 1798.
لقد أثارت هذه الهدنة ردود فعل معادية من قبل كل من انجلترا و الدولة العثمانية . لقد هددت انجلترا باستعمال القوة لإجبارها على إلغاء هذا الاتفاق مع فرنسا إلا أنها اضطرت إلى التراجع.
إن تمسك الجزائر بمبدأ الحياد في الصراع الأوربي – الانجليزي الفرنسي بالخصوص –كان احد الأسباب التي دفعت انجلترا إلى العمل من اجل الانتقام منها، عندما أتيحت لها الفرصة بعد انتهاء الحرب الأوربية سنة 1814.
تحسنت العلاقات الجزائرية – رغم ما سبق- كثيرا في عهد الداي علي خوجة الذي جاء قبيل الداي حسين، حيث تحسنت العلاقات الجزائرية التونسية و انطفأت نار الفتنة وكذلك مع المغرب و طرابلس، بدليل التبرعات التي أرسلها سلطان المغرب مولاي سليمان و المراكب التي بعث بها يوسف باشا باي طرابلس و هي التبرعات التي جاءت إلى الجزائر بعد اعتداء الكسومث .
كانت العلاقات مع الدول الأجنبية تتباين من دولة لأخرى : فالعلاقات الجزائرية الفرنسية كانت تتأرجح بين التوتر و الهدوء خاصة بين سنوات 1808 – 1814 ،بسبب الديون و تحصين المراكز التجارية في الشرق الجزائري التي أصبحت تعرف بالباستيون . أما الانجليز و الهولنديين فقد اتضح موقفهما
بعد الاعتداء الثنائي على مدينة الجزائر سنة 1816 بقصفها لمدة أكثر من 9 ساعات بمدافع أكثر من خمسين قطعة بحرية ، ستة منها هولندية. كانت الخسائر الانجليزية معتبرة 883 قتيل و 1500 جريح و أضرار جسيمة لحقت بسفينة القيادة – الملكة شارلوت-. أما الجزائر فرغم الدمار الشبه كلي للأسطول الجزائري اثر هذا العدوان المباغت إلا أن دبلوماسيتها لم يعرها أي تخاذل أو ضعف ، بسبب تبرعات الدول الصديقة و المجهودات المحلية حيث جمعت قبل سنة 1820 قوة بحرية تفوق تلك التي دمرها الانجليز.
برز الموقف الروسي بجلاء في مؤتمر لندن الذي سبق مؤتمر اكس لاشابيل حيث قدم المندوب الروسي مذكرة وزعت على المندوبين الأوربيين تطالب بضرورة استعمال القوة البحرية و البرية معا لكي يتحقق هدف التحالف الأوربي و المتمثل في تصفية وجود الدولة الجزائرية في البحر المتوسط.
كانت الدولة الوحيدة التي تحضى باحترام الحكومة الجزائرية هي الولايات المتحدة الأمريكية
من خلال احترام السفن الأمريكية المبحرة في المنطقة و ذلك بعد المفاوضات الناجحة التي قام بها السيد شالر مع الحكومة الجزائرية و التي انتهت بتعيينه من قبل بلاده سفيرا في الجزائر في 31 جوان 1815.
لقد بادرت أوربا فى "مؤتمر فيينا "1814 - 1815 م بطرح موضوع " أيالة الجزائر " فاتفق المؤتمرون على تحطيم هذه الدولة فى مؤتمر " إكس لا شابيل " عام 1819 م حيث وافقت 30 دولة أوربية على فكرة القضاء على " دولة الجزائر".
و أسندت المهمة إلى فرنسا وانكلترا ، و توفرت الظروف المناسبة للغزو عندما تمكنت بحرية البلدين من تدمير الأسطول الجزائري في معركة " نافارين" سنة 1827م، حيث كان في نجدة الأسطول العثماني وبذلك انتهت السيطرة الجزائرية على الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط.
الوضع الاجتماعي و الاقتصادي:
في المرحلة الأخيرة من حياة الدولة الجزائرية قبل الاحتلال أصبحت الحالة الصحية للسكان تزداد سوءا و تدهورا باستمرار، مما اثر سلبا على نمو السكان و ترك اثأرا سيئة على وضعهم الاجتماعي : فتضاءل سكان المدن و تناقص سكان الأرياف ابتداء من أواخر القرن 18 تسبب في تناقص عدد القوات البرية و البحرية، و ندرة الحرفيين و الصناع و افتقار الأرياف إلى اليد العاملة في الزراعة.
يعود سبب سوء الحالة الصحية إلى انتقال العدوى و انتشار الأمراض في الأقطار المجاورة، و ذلك لصلة الجزائر بعالم البحر و انفتاحها على الأقاليم الأوربية والعربية التي كانت مصدر مختلف الأمراض كالكوليرا و التيفوس و الجذري و الطاعون و السل عبر توافد التجار و البحارة و الحجاج و الطلبة إلى الموانئ الجزائرية. وقد تميزت السنوات التالية من القرن 19 باشتداد هذه الأمراض : 1804-1808-1816 إلى 1822.
يضاف إلى سوء الأحوال الصحية حدوث الكوارث الطبيعية التي أدت بدورها إلى تناقص السكان و تضرر الاقتصاد ، و تمثلت في الجفاف ، الجراد ، الزلازل و الفيضانات و غيرها.
أمثلة : - زلزال عنابة 1810-مدينة الجزائر 1818-إقليم الساحل و متيجة 1825 .
- زحف الجراد : سنوات 0 180-1804-1816-1822 و 1824.
لقد تميز الربع الأول من القرن التاسع عشر بتكاثر المجاعات التي تميزت بها سنوات : 1800-
1806-1807-1816 و 1817.
أما التعداد الإجمالي لسكان الجزائر قبل الاحتلال فكان حوالي ثلاثة ملايين أو أكثر.
إن هذه الجوائح السالفة الذكر أثرت سلبا على الوضع الاقتصادي و الاجتماعي إلا أنها لم تمنع انتشار البساتين ذات المحاصيل المختلفة من : برتقال ، ليمون ،عنب ،لوز ، مشمش، تفاح ، خوخ و حب الملوك غيرها- ، و كذا الحدائق في العاصمة و غيرها و التي وصفت من قبل الكتاب الفرنسيين المصاحبين للحملة الفرنسية بأنها من أكثر مناطق العالم انشراحا و بهجة ، بالإضافة إلى الطابع الرعوي الذي كان يتركز في الأرياف و أطراف المدن.
لقد انفردت الحواضر بالنشاط الحرفي الذي يوفر الضروريات المنزلية ، و تمثل النموذج الصناعي في صناعة الأحذية و الأغطية و الافرشة و الشموع ثم تطورت لتشمل الدباغة ، النجارة، الحدادة ، الصباغة وصناعة الأسلحة و المجوهرات و حياكة الصوف و كان لكل حرفة نشاطها الخاص و مسؤول يشرف عليها. إضافة إلى صناعات أخرى كانت تحتكرها الدولة كصناعة السفن و مسابك المدافع و مطاحن الدقيق و المناجم .
أما على الصعيد التجاري فلقد كانت العلاقات الجزائرية في هذا القطاع تشمل البلدان العربية في المغرب و المشرق و كذا الدول الأوربية التي كانت تصلها الصادرات الجزائرية الزراعية و الصناعية : الحبوب التي كان يسيطر على تجارتها السماسرة اليهود الذين كانوا يصدرون كميات كبيرة منها بين سنوات 1788 و 1819 رغم القحط و الجفاف.. ، كما كانت تصدر زيت الزيتون، التمر ،التين ، البرتقال.. و الأبقار و الأغنام و الخيول بالإضافة إلى الشمع و الجلود و الصوف و ماء الورد و الزرابي و الأغطية و بعض السلع الشرقية كالتوابل و الحرير.
أما المسعى المعرفي فكان موجه بالأساس إلى العلوم الدينية و بدرجة اقل فنون اللغة العربية و بعض العلوم كالحساب و الرياضيات و شيء من الفلك .
07.10.201301:27:02