(المنمنمة)اصطلاح أطلق على الرسوم التوضيحية التي رافقت بعض الكتب العربية والاسلامية،لاسيما(مقامات الحريري)و(كليلة ودمنة)وغيرهما، ثم أصبح هذا اللون من الرسم والتصوير فناً قائماً بذاته، يمكن اعتباره نوعاً من(التصوير الاسلامي)الذي تابعه باجتهاد فنانون رواد في مراحل تاريخية مختلفة، وفي العديد من الدول العربية والإسلامية، لاسيما بغداد العباسية، وإيران وآسيا الصغرى.
من هذه الكنوزوالتي برع فيها العرب وأجادوا، فن التصوير والنقش والتزويق والترقين، وذلك بما خلفوه على الجدران والخشب والمعدن والزجاج والخزف والعاج والثياب، ولاسيما ما زينت به المخطوطات من منمنمات بلغت حد الروعة فيما ينسب إلى مدرسة التصوير العربية في بلاد الشام والعراق.
وعلى وجه الخصوص رسوم الواسطي الذي هو أحد أهم المصورين الذين عرفتهم الحضارة العربية، بل من أفضل فناني العرب قدرة على التعبير كمصوّر وملوّن ورسّام منمنمات، ومصور للأحداث، إذ عرف كيف يقدم لنا بعض أحداث(مقامات الحريري)بأسولب فني معبر، يمثل معجزة من معجزات الفن التشكيلي العربي، والذي تعد رسومه أكمل مثال لهذه المدرسة فقد أجاد، بل نجح برسم شخصية أبي زيد(بطل مقامات الحريري)بحيث تميزها العين من أول نظرة في كل لوحة.
ويطول الحديث هنا لو تحدثنا في خصائص هذه المدرسة العربية التي ولدت ككل الفنون الإسلامية والشرقية بشكل عام، محددة الهدف والوظيفة، ثم تطورت وتصعدت قيمها التعبيرية والتشكيلية لتتماهى فيها القيمة الجمالية التعبيرية بالقيمة الاستعمالية.
فالمنمنمة العربية والإسلامية، ولدت كفن من فنون الكتاب، وبهدف تزيينه وتزويقه وتوضيح جوانب مما يحمل من مواضيع وأفكار، ثم تطورت لتتحول إلى فن رفيع قائم بذاته، اشتعل عليه عدد كبير من الفنانين الرواد منهم(يحيى بن محمود بن يحيى الواسطي)الذي اشتهر وعرف كواحد من مصوري(مقامات الحريري)التي تم إنجازها عام1237ميلادي، ورسم الواسطي هذه، عكست بالرسم واللون والخط والإشارة، ملامح عصر بكامله.
ثم جاء(بهزاد)الذي ولد حوال 1440م. وتوفي بعد عام1514،وكان اسلوبه الفني أكثر حدة ودرامية من أسلوب الكثيرين من رسامي عصره كما كان أكثر اهتماماً بالأفراد وشخصياتهم وبمشكلات الحياة اليومية بعد(بهزاد)جاء(محمد خان شيباني)و(ميراك)و(ميرزا علي)و(مير سيدعلي)و(مظفر علي) وغيرهم.
استمر فن المنمنمات الإسلامية بالتطور والانتشار حتى يومنا هذا، حيث لايزال يشتغل عليه مجموعة كبيرة من الرسامين في الدول العربية والاسلامية ومنهم(محمد راسم الجزائري)الذي حافظ على خصائص ومقومات المنمنمة الإسلامية بعد أن منحها روحاً معاصرة وفي إيران عدد كبير من مشاهير الفنانين المعاصرين يشتغلون اليوم على هذا الفن الذي تأثر به عدد كبير من مشاهير الفنانين العالميين ومنهم الفنان الفرنسي(أوجين ديلاكروا)الذي عمد إلى نسخ بعض المنمنمات الاسلامية من شدة إعجابه بها.
والملاحظ وجود قواسم مشتركة كثيرة بين هذا الفن والفن الشعبي، وكذلك بينه وبين(الأيقونة)وهي اللوحة المكرسة لموضوعات دينية مسيحية مستوحاة في غالبيتها من الكتاب المقدس، ثم تكرست فيما بعد للسيدة العذراء، والسيد المسيح، والقديسين.
لقد وصل الفنان العربي والمسلم في فن(المنمنمات)إلى تحقيق لوحة فنية متفردة موضوعاً وشكلاً ومعالجة، وصلت حد الإعحاز والدهشة، لكثرة ما فيها من حشود وعناصر، مرسومة بدقة شديدة، وبألوان زاهية، حركات مختلفة، عميقة التعبير عن موضوعاتها المأخوذة من الواقع تارة، ومن الحكايا والاساطير الشعبية تارة أخرى.