أدمن Admin
احترام قوانين المنتدى : أعلام الدول : عدد الرسائل : 6804 العمر : 55 تاريخ التسجيل : 06/01/2009
| موضوع: لمن يطالبون بالعتبة في الباكلوريا السبت مايو 25, 2013 12:35 pm | |
| اقترحوا عليه أن يقدّم دروس دعم إضافية للتلاميذ خارج أسوار المؤسسة التعليمية، وذكّروه بأنه معروف ومشهور في مادته العلمية، وأن بعض الأولياء على استعداد لزيادة أجرة الساعة التدريسية مقارنة بالأساتذة الآخرين.. لكنّه رفض رفضا قاطعا وفضّل الراحة والاسترخاء بعد العودة من الثانوية.. بينما يتهافت عدد معتبر من الأساتذة على الدروس الخصوصية.
السبب الذي أبداه الأستاذ، لمن اقترح عليه التدريس، وجيه في الحقيقة وبسيط أيضا ومفاده أنّ على الأستاذ تقديم جهد كامل ومتكامل في قاعة الدرس، وعليه أن يوصل الفهم لتلاميذه ويرعاهم في واجباتهم ويطمئن على استيعابهم جميعا، أو أغلبهم على الأقل.. كلام غاية في السموّ والإخلاص.. لكنّ.. ما المانع أن يبذل الأستاذ جهدا آخر بعد وقت الدوام الرسمي، ويكسب أجرا وأجرة ويساعد تلاميذه ويرتفع بمستواهم نحو الأعلى.. هنا يقرر الأستاذ حقيقة من واقع تجربته الطويلة، وهي أن الأستاذ إذا أعطى كلّ شيء في قاعة الدرس وبذل كلّ ما عنده فلن يظلّ معه ما يقدّمه في الخارج.. وأكثر من ذلك لن يظلّ من بين تلاميذه من يعاني قصورا في الفهم، فقد كفاهم أستاذهم الحاذق المخلص مؤونة الدروس الخاصة، وما بقي عليهم سوى جهود فردية وجماعية في المذاكرة لتسير الأمور على أحسن ما يرام. رأي الأستاذ المذكور يدفعنا إلى التساؤل عن حال الثانويات، وحتى الإكماليات، مع دروس الدعم، وهل يبذل الأساتذة الكرام ما بوسعهم من جهود لإفهام التلاميذ، أم أنّ آفة الدروس الخصوصية قد غزت قسما من إطارات التعليم والتربية، وهكذا يأتي أحدهم ليمثّل على تلاميذه بعض الوقت ويهدر الباقي كيف ما كان، ومن أراد الفهم وبقية المعلومات المهمة بعد ذلك، فما عليه سوى الالتحاق بالدروس الخصوصية على العنوان الذي يعرفه فلان أو علاّن، بل وصل الأمر إلى أكثر من ذلك عند بعض الموتى أخلاقيا.. فمن أراد درجة عالية في الامتحانات والفروض فما عليه سوى الاشتراك في دروس الأستاذ الإضافية. حدّثني أحد أولياء الأمور بمرارة قائلا: يشتكي بعض الأساتذة من صعوبة العطاء داخل الفصل الدراسي لأن عدد التلاميذ أكثر من أربعين والظروف غير ملائمة.. لكنه يجمع التلاميذ في مكان لا تتوفر فيه التهوية الكافية ودون طاولات وكراسي حيث الجلوس على حصير كيفما اتفق الأمر، ومع ذلك يبذل الأستاذ جهدا ويوصل معلومات، لأن وراءها أجرا فوق ما تدفعه له الخزينة العامة. وليت الأمر يؤدي إلى نتائج باهرة، فترتفع همم التلاميذ إلى الثريّا ليلتهموا المناهج من الغلاف إلى الغلاف.. إنهم مع هذه الدروس الخصوصية وما تعرضه المكتبات من أقراص مضغوطة وكتب مساعدة؛ يطالبون بتلك البدعة العجيبة الغريبة وهي العتبة، وما أدراك ما العتبة، حيث تُخاط أسئلة الباكالوريا على مقاس محدد وتُحذف محاور ودروس من المنهج. ما أحوجنا إلى الشعور بالحياء من أنفسنا ومستوانا عندما يتحول الاستثناء الذي اضطرت إليه الإدارة في ظروف خاصة إلى حقّ يطالب به التلاميذ ويتركون مقاعد الدراسة من أجله.. إنّه خطر حذّر منه الغيورون على مستقبل التعليم، وسمعة الباكالوريا الجزائرية على وجه التحديد: ما يعطى اليوم تساهلا يصبح غدا حقا مشروعا مُطالبا به. إنّ أساتذة الجامعة يعانون من الأخطاء اللغوية والخط الرديء والسلبية والبحث عن تحديد الدروس والشكوى من طول المنهج.. فمن أين جاء هذا.. إنها الثانوية التي قصّرت في نفخ روح العلم والجدّ في التلاميذ. إن المناهج في حاجة إلى تطعيم بمحفّزات نفسية يتلقّاها التلاميذ بالتوازي مع الدروس، ومن واجبات الأستاذ ترسيخ حبّ العلم في عقول ونفوس التلاميذ قبل نثر المعلومات بين أيديهم.. وهي مسؤولية عظيمة على الأستاذ تحمّلها وهو يغلق عليه بابه في الفصل الدراسي، حتى لو عانى فعلا من تراكمات ومشاكل مع الإدارة والراتب وغير ذلك، لأن مجرد الدخول يفرض عليه أفقا جديدا يطرح المشاكل جانبا ويقدم علما وروحا وتحفيزا للتلاميذ.. إن المسؤولية جسيمة ويشترك فيها الجميع، إدارة وأساتذة وأولياء، ليكون الهدف الواضح لدى الجميع هو توجيه الناشئة نحو الأعلى، والأعلى فقط رغم كلّ شيء. وأخيرا أسوق هذه الملحمة إلى الذين طالبوا بالعتبة، وإلى الذين وافقوا عليها، وإلى الذين كرّسوها حتى صارت حقّا يطالب به التلاميذ.. إنها ملحمة حقيقية شهدتها إحدى ثانويات ولاية جزائرية، ولا شك أنها تكررت في أكثر من منطقة بمختلف جهات الوطن. الملحمة وقعت قبل ثلاثين عاما تقريبا حين حلّ النظام الجديد على طلاب (الثانوية) وحمل معه رياضيات حديثة لم يألفها بعض الأساتذة، وكان بينهم مصري وافد وجد نفسه في ورطة حقيقية لأنه يدرّس مادة الرياضيات لطلاب السنة الثالثة ثانوي، شعبة رياضيات. لم يقف طلاب القسم النهائي مكتوفي الأيدي يتبادلون الشكاوى ويصبّون جام غضبهم على الإدارة والوزارة والحظ وجميع من صادفهم حتى أنفسهم كما يفعل بعض مرضى النفوس.. لم ينتظروا المساعدة من أحد، مع أنها مشروعة في مثل هذه الحالات.. لم يرفعوا الراية البيضاء ويجلسوا لتلقي العزاء في الباكالوريا ذلك التاج الذي يسعد الآباء والأمهات برؤيته فوق رؤوس الأبناء.. لقد عقدوا العزم وأقسموا الأيمان على الكدّ والجدّ والنجاح، وقالوا للأستاذ الوافد: نم قرير العين فلن نطالبك بشيء فوق طاقتك، ثم اجتمعوا على موائد الرياضيات وبذَل كلّ طالب ما عنده وتكاملت الجهود وأثمرت. وبعد أن انقشع الغبار ومرت شهور العام الدراسي بحلوها ومرّها كان النجاح حليفا لأكثر طلاب ذلك الصفّ الثانوي المثابر، وبنسبة عالية لم تعرفها تلك الأعوام.. نجحوا لأنهم اختاروا اليد العليا.
| |
|